تسارعت خطي الحكومة السودانية طوال الأيام الماضية لتفكيك مشروع القرار الدولي الذى كانت تعكف الولاياتالمتحدة على صياغته وحشد الدعم الدولي له. فعلي الصعيد المحلي أعربت الحكومة السودانية فى أكثر من محفل وغير ما مرّة عن رغبتها فى التفاوض مع حكومة جنوب السودان بشأن القضايا الأمنية التى لها أسبقية وأولوية قصوي - فى نظر الخرطوم - على ما عداها من قضايا بالنظر الى النتائج الكارثية التى ترتبت مؤخراً جراء عدم إلتزام جوبا بإتفاقية وقف العدائيات والتي كادت أن تفضي كما شهدنا الى حرب شاملة بعدما احتلت قوات الجيش الشعبي التابع لجنوب السودان منطقة هجليج الحدودية. الخرطوم ظلت تؤكد بإستمرار - كموقف رسمي وسياسة معلنة - أن التفاوض ممكن، ولكن عبر مراحل محددة تحفظ لها ضمان عدم تكرار ما فعلته جوبا فى هجليج. وعلى الصعيد الإقليمي رحبت الخرطوم ايضاً بالقرار الذى أصدره مجلس السلم والأمن الإفريقي – قبل أيام – والذي حثّ فيها الدولتين على الإسراع بحل النزاع الناشب بينهما فى غضون ثلاثة أشهر. وعلى الصعيد الدولي فقد طاف وزير الخارجية السوداني الأستاذ أحمد علي كرتي بعدد من الدول شارحاً موقف السودان، وكانت أهمّ المحطات التى طاف بها كرتي العاصمة الروسية موسكو، ويبدو أنّ موسكو على وجه الخصوص ستكون هى محور الاستراتيجية العاجلة المقبلة التى تراهن عليها الخرطوم، ذلك إن تقديرات الخبراء السودانيين فى الوقت الراهن تشير الى أن الولاياتالمتحدة كانت تسابق الزمن لإستصدار القرار بواسطة مجلس الأمن، وأنّ صدور القرار تحت الفصل السابع، ووفق القيد الزمني المضمّن فى قرار الاتحاد الإفريقي (3 أشهر)، من شأنه تدويل النزاع وإصباغه بصبغة دولية من المؤكد أنها ستضع الأمور ضمن متاهة واسعة النطاق تستغلها واشنطن لأغراضها ومصالحها الخاصة، ولهذا كان لا بُد من التحوط ببحث إمكانية وضع كابح سياسي أو قانوني يخفِف من صيغة القرار. وكما هو معروف فى هذا الصدد فإن روسيا لها مواقف دولية مبدئية فى مجلس الأمن ترفض فيها فرض العقوبات على الدول، والأمثلة فى هذا الصدد عديدة أقربها المثال السوري، حيث إمتدّ الموقف الروسي الى حد استخدام حق النقض (الفيتو) . كما أن مجلس الأمن لا يزال حتى هذه اللحظة يتفادي عرض مشروع قرار آخر متعلق بسوريا مخافة الفيتو الروسي. ويعضد الخبير السياسي (الإكسندر شوميلين) مدير مركز تحليل النزاعات فى الشرق الأدني هذا الرأى ويقول : إن روسيا ستعلن أنها ضد فرض العقوبات فى الأممالمتحدة وقد أعلنت هذا الموقف مراراً. وقد أبدي وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) لدي لقائه الوزير السوداني كرتي رغبة موسكو فى إنخراط الأطراف السودانية فى حلحلة القضايا الخلافية، كما أكد له الوزير السوداني إن بلاده لا ترغب فى خوض حرب شاملة ضد جوبا، ولكنها تدافع عن نفسها وفق ما تقتضيه قواعد القانون الدولي بشأن الدفاع عن النفس. وبالطبع لم يصدر موقف روسي رسمي قاطع بإستخدام حق النقض ضد القرار ، ولكن تشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد أن روسيا أبدت تفهماً كبيراً جداً للأوضاع والموقف فى السودان وأعربت عن تفهمها لكافة جوانب الازمة، وهو ما يُستفاد منه أنها (تدرس) بقدر عال من الجدية كل جوانب الموقف استعداداً للمعركة الدبلوماسية (على جبهة نيويورك) فى الأيام المقبلة ولا يستبعِد العديد من الخبراء الذين استطلعتهم (سودان سفاري) فى العاصمة السودانية الخرطوم أن يغيِّر العامل الروسي من الخطة الأمريكية فى إطار المشاورات الجارية حالياً ؛ كما لا يُستبعد أن تسهم الصين كدأبها فى تغيير الصياغة والحد من غلوائها، وهو ما قد يتجاوز فى مجموعه وزن الفيتو وآثاره.