من بين 6 نقاط رئيسية إشتمل عليها القرار الدولي 2046 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الأربعاء 2/5/2012م لم يحظ السودان سوي بنقطتين فرعيتين داخل بنود القرار يمكن القول إنها ذات مردود ايجابي محدود عليه. ولهذا فقد رحبت الحكومة السودانية إجمالاً بالقرار، ولكنها لم تصدر موقفاً سياسياً رسمياً من القرار، وإن تناثرت مواقف متعددة هنا وهناك ترفض القرار كما هو معروف، فقد أورد القرار ست بنود؛ أولها دعا فيه الى وقف العدائيات وما سماها بالقصف الجوي خلال 48 ساعة ؛ ثانياً: تفعيل آليات التحقُق من الحدود المشتركة خلال أسبوع واحد ؛ ثالثاً: الإنخراط فى مفاوضات مع قطاع الشمال لمعالجة الترتيبات الأمنية فى ولايتيّ النيل الازرق وجنوب كردفان ؛ رابعاً: الدخول فى مفاوضات القضايا العالقة بين البلدين وحسم كافة هذه القضايا المتمثلة فى النفط، والحدود، والمواطنة ، وأبيي بدون شروط مسبقة وخلال أسبوعين ؛ خامساً: يقدم الأمين العام للمجلس تقريراً كل أسبوعين عن سير هذه البنود ؛ وأخيراً وسادساً: فى حالة عدم التزام الطرفين أو أىٍّ منهما بما ورد عاليه، يطبِق المجلس المادة 41 من الفصل السابع المتعلقة بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية. هذه هى النقاط الرئيسية التى اشتمل عليها القرار، ومن الواضح أنها جميعاً تبدو ذات صفة إما تعجيزية، يصعب إنفاذها على أرض الواقع سواء بالطريقة التى يتطلبها القرار أو المدي الزمني المضروب؛ أو ذات صفة كيدية بمعني أن القرار إختار أسوأ الخيارات ليلزِم بها الحكومة السودانية مع علمه مسبقاً أن مثل هذه الخيارات لا تروق لها. ولهذا قلنا إن الحكومة السودانية حين رحبت إجمالاً بالقرار دون الخوض فى تفاصيله وإتخاذ موقف مفصل منه إنما نظرت الى نواحي اعتبرتها - من وجهة نظر سياسية - إيجابية مثل إقرار مجلس الأمن إدانة الطرف المعتدي على هجليج وتكوين لجنة تقصي حقائق بهدف حصر الخسائر المادية والأضرار التى نجمت عن العدوان. هذه النقطة تبدو ايجابية على الرغم من أنها ليست من البنود الأساسية الرئيسية، غير أن ما يُؤخذ على هذه النقطة رغم ايجابيتها، أنها جعلت من منطقة هجليج منطقة مُتنازَع عليها وهو أمر مخالف للواقع تماماً، حيث لم تكن هجليج فى يومٍ ما محل خلاف أو تنازُع بين البلدين وهو ما يمكن أن يُقال إنه بمثابة (دسّ السُم فى الدسم) فى سياق الصياغات الماكرة التى برع فيها خبراء معروفين فى أورقة مجلس الأمن الدولي. النقطة الثانية التى ربما بدت إيجابية فى متن القرار، كون أن الطرفين – السودان وجنوب السودان – يواجهان العقوبات التى هدد بها المجلس، على إعتبار أن القرار على الأقل توازن بين الطرفين، أو أنه ساوي بينهما فى الظلم بإعتبار أن المساواة فى الظلم عدل؛ وإن كان حجم الظلم الواقع على السودان أفدح. أما ماعدا ذلك فإن القرار بدا متحاملاً ومفصلاً (تفصيلاً دقيقاً) على السودان ونشير الى ذلك فى عجالة، إذ أنَّ وقف العدائيات - كأول بند أورده القرار - هو شيء إيجابي ومطلوب، ولكن القرار لم ينظر الى الطرف المعتدي، الطرف الجنوبي الذى سارع بإحتلال أراضي سودانية فى ذات أيام التداول فى القرار (كفن دبي، قرية، كافي كنجي) ليخلق واقعاً مختلفاً حتى إذا ما طُولِب - أى الطرف الجنوبي بالانسحاب - قرن انسحابه بإنسحاب الطرف السوداني من هجليج وأبيي! هنا يتجلي خُبث القرار ولهذا فقد سارع الطرف السوداني ممثلاً فى وزير الخارجية على كرتي للتصريح بأن السودان لن يوقف عملياته العسكرية ما لم يُوقِف الإعتداء الواقع عليه وما لم يحسِم الخروقات الجنوبية المستمرة . الأمر الثاني فيما يتعلق بالدخول فى مفاوضات القضايا العالقة فإن هذا يبدو مستحيلاً فى ظل الهجمات الجنوبية وفى ظل استمرار العدوان، وقد أكد وزير الخارجية والناطق بإسم الخارجية السوداني ذلك بوضوح، إذ أنّ المفاوضات الوحيدة الممكنة ومتاحة الآن هى مفاوضات الملف الأمني. الأمر الثالث وهو الأغرب والأخطر وهو المتعلق بقطاع الشمال فى الحركة الشعبية فهو ليس طرفاً فى نزاع الدولتين ولا يدخل فى بنود القضايا العالقة ولا صلة له لا من قريب ولا من بعيد بالأزمة الناشبة بين الدولتين وهو شأن سوداني داخلي لا يُعرف كيف قفز الى قرار المجلس؛ ولهذا قطع نائب الرئيس السوداني د. الحاج آدم بإستحالة الاستجابة لهذا البند لأنّ من شأنه إعادة إنتاج نيفاشا2. لقد بدا واضحاً أن القرار 2046 قرار سياسي أمريكي لصالح دولة جنوب السودان والمتمردين الذين تقف وراءهم الحركة الشعبية الحاكمة فى الجنوب، ولهذا تبدو الأمور فى طريقها الى التصعيد لأنّ الخرطوم – كما بدا واضحاً الآن – لن تقبل القرار عملياً لأنه يقودها الى مقصلة سياسية حتمية!