مازال صدى قرارمجلس الأمن رقم (2046) يشغل الساحة السياسية فى سبيل البحث عن مآلاته وتبعاته على السودان بعد أن وافقت الحكومة على التعامل معه وإقرارها لخارطة الطريق رغم تحفظاتها على عدد من البنود تجنباً لمواجهة المجتمع الدولى المحتملة والخوف من الوقوع فى طائلة عقوبات المادة (41) من الفصل السابع التى تقر التدخل العسكرى فى البلاد، على كل اصبح قرار مجلس الأمن الدولى (2046) ملزما قانونياً للسودان ودولة جنوب السودان وواقعاً لايمكن الهروب منه ما يشكل عبئاً جديداً على الدبلوماسية السودانية والتى ينبغى عليها التعامل مع القرار بكافة الوسائل المتاحة. الجمعية السودانية للأمم المتحدة عقدت ندوة بقاعة الشارقة جامعة الخرطوم حملت عنوان « قرار مجلس الأمن 2046 ومآلاته» لإلقاء الضوء على القرار وامكانية التعامل معه وفق القانون الدولى والنظر الى الزوايا الإيجابية فيه وتجنب مثالبه بقدر الإمكان. رئيس الجمعية السودانية للأمم المتحدة السفير عمر بريدو قدم ورقة عن القرار ومآلاته وقال عند النظر الى قرار مجلس الامن (2046) لابد ان نأخذ الظروف العالمية التى خرج فيها قرار مجلس الأمن الدولى المعيب والمقترح من الإتحاد الأفريقى، واشار بريدو الى ان الحرب الباردة هى التى شكلت المناخ العالمى بعد هيمنة القطب الواحد الأمريكى، ومن ثم بدأت سياسة الهيمنة على العالم واتاحة الفرصة للأمم المتحدة للتدخل فى الدول من باب الأوضاع الإنسانية، وقال بريدو انه لايوجد عدل فى الميزان الدولى وان المعايير تتم بصورة انتقائية، واشار بريدو الى ان الجميع كان يؤمل فى اتفاقية السلام الا انها واجهت كثير من العقبات الى ان تم إحالة المسائل العالقة بعد انفصال الجنوب ومن ثم استمرت المفاوضات فى اديس ابابا لتحتل بعد فشلها الدولة الوليدة منطقة هجليج، ووصف بريدو قرارات مجلس الامن بالمعيبة والمعادية للسودان لافتاً الى ان القرار يساوى بين المعتدى والمعتدى عليه بجانب انه ادان احتلالاً دون ان يذكر الجهة التى قامت بالإحتلال بينما ادان بالاسم الجيش السودانى، هذا الى جانب ترحيب مجلس الامن الدولى بإنسحاب قوات جيش دولة جنوب السودان من هجليج فى الوقت الذى هزمت واجبرت بالقوة على الخروج من هجليج، واضاف ينبغى على مجلس الأمن اولا التأكد من انه كان انسحاباً او تحريراً، وأشار الى ان مندوب روسيا فى الاممالمتحدة احتج على توصيف انسحاب دولة جنوب السودان لافتا الى هزيمتها و الخسائر التى احدثتها فى هجليج، ودمغ بريدو قرار مجلس الأمن بالمتحامل وقال انه دعا فى الديباجة الى التعويض لكنه ايضاً لم يشر الى الجهة التى ارتكبت الخسائر ولم يحدد زمن التعويض، وقال ان المجلس طالب بمناقشة القضايا العالقة والتى فى مصلحة دولة جنوب السودان ولم يشر بصورة واضحة الى الترتيبات الأمنية، وقال بريدو ان القرار تمت اجازته بالإجماع مايشير الى انه تمت طباخته جيداً. ونوه بريدو الى تصويت الدول الاعضاء فى المجلس يعنى مشاركة جزء كبير منها فى إصدار القرار،وقال ان الدول التى تحفظت باكستان والمغرب. وأوصت الجمعية السودانية للأمم المتحدة بتوصيات متعددة اهمها التعامل الإيجابى مع مؤسسات المجتمع الدولى على اساس الإحترام المتبادل والعمل المشترك من اجل غايات السلام الفاعل، وان يدخل السودان الى مفاوضات اديس ابابا المقبلة بقلب مفتوح مع النظر فى الجوانب الإيجابية للقرار. وأشار بريدو الى مواقف الدول الافريقية السلبية ما يتطلب اعادة النظر فى سياستنا الخارجية فى افريقيا وكسب ارضية دبلوماسية فى القارة السمراء وضرورة تكثيف الجهود الداخلية لحل القضايا الوطنية لان الوحدة الداخلية تقوى موقف الوفد المفاوض، ودعا بريدو الى عقد ورشة تجمع رؤساء الأحزاب واساتذة الجامعات مع الوفد المفاوض فى اديس ابابا. واشار وكيل وزارة الخارجية ،رحمة الله محمد عثمان، من جهته الى اهمية تحليل هذا القرار والنظر الى ما بعده والتحسب لتبعاته، واوضح ان القرار صدر بالإجماع ما يضيق كثيراً من فرص المناورة وكسب الوقت، منوها الى غلبان البعد الافريقى عليه ما يجعل اعتراض الدول الاخرى صعباً للغاية بحسابات انه صادر من الاتحاد الافريقى، ولفت رحمة الله الى ان السودان ليس عضواً فى مجلس الأمن الدولى وعلى الذين يتحدون عن غياب السودان عن الإجتماع الذى صدر فيه القرار ان يدركوا ان السودان لايمكن له التواجد داخل القاعة والمشاركة فى المناقشات، وان السبيل الوحيد هو العمل من اصدقائنا، واضاف وكيل الخارجية «للاسف اصدقاؤنا فى هذه الفترة لهم مصالح ايضاً» واوضح رحمة الله ان القرار فى شكله الاول كان مجيراً لصالح دولة جنوب السودان، وتساءل لماذا خرج القرار من الاتحاد الافريقى، وانه حسب الفصل الثامن من ميثاق الاممالمتحدة يعطى الفرصة للمنظمات الاقليمية لحل المشاكل واصدار القرارات المناسبة، وفسر موقف الإتحاد الافريقى بعجزه التام فى حل القضية واصبح محتاجاً الى قدر من التدخل والضغوط ، مضيفا « وهذا تحليل»، ولم يستبعد وكيل وزارة الخارجية ان تكون الخطوة الخاطئة التى اقدمت عليها حكومة جنوب السودان باحتلال هجليج سناريو تم اعداده مسبقا لتحريك الملفات ،مشيرا الى ان اول دولة حركة الملفات هى امريكا بإدانتها للإعتداء، واشار رحمة الله الى ان امبيكى حمل حكومة الجنوب السودان تعثر المفاوضات ما دفع الدولة الوليده الى انتقاد امبيكى ووصفه بالمتحامل وقال اعتقد ان هذا الأمر هو الذى دفع دولة جنوب السوان الى تدويل الملف وتحويله الى مجلس الأمن الدولى، وقال رحمة الله ان الخارجية لإدراكها لأبعاد القرار بادرت بعد ساعتين فقط من صدوره بعقد مؤتمر صحفى وافقت فيه على التعامل مع القرار (2046)، واضاف نتيجة لهذا الموقف واجهنا هجوماً لازعاً، ولكنا نؤكد بأنه لايوجد خيار غير التعامل مع القرار، لانه يوجد تهديد بالماده (41)، واضاف « لمسنا احساساً قوياً انهم سيطبقوا ما هددوا به خاصة وان سفيرنا لدى الأممالمتحدة تلقى تهديدات بهذا الشأن»، الا ان رحمة الله اكد ان السودان لايمكن ان يدخل فى مفاوضات حول القضايا العالقة قبل حل القضية الأمنية، واشار الى ان فترة الثلاثة شهور التى حددها القرار يمكن تجاوزها اذا حدث تقدم فى المفاوضات بحسب تأكيدات امبيكى. واوضح الدكتور احمد المفتى بدوره ان قرار مجلس الأمن الدولى يستهدف السودان في ثلاثة مستويات «سياسية واقتصادية وامنية»، وقال ان من حق وزارة الخارجية علينا ان نصطف حولها فى هذا المنعطف الخطير، وعلى الذين يثبطون من همتها ان يصمتوا من توجيه عبارات الإنبطاح ، وقال لابد من التعامل الايجابى مع القرار وقال « الخيارات المتاحة يا أسود يا أبيض، قبلت ام لم تقبل» ورأى ان الخطوة الأولى هى ان نتعامل مع القرار، ومن ثم تفهم ابعاده، ونوه المفتى الى ان الشرط الذى يضعه السودان بخصوص حل القضايا الأمنية اولاً ليست له اولوية فى القرار، لان المجلس لم يفرض من اين تبدأ المفاوضات، واشار الى ان القرار يحتوى غموضاً فى كثير من البنود ، ودعا على سبيل التأكيد على ذلك الى تأمل فقرة العدائيات وهى « وقف العدائيات والإنسحاب من الاراضى المحتلة لما لم ينص عليه القرار ذلك». وقال المفتى ان القرار تضمن اشارات وصفها بالخطيرة بتحويل ولاية القوات الأممية فى السودان الى استخدام القوة اذا دعت الضرورة، ويرى المفتى ان توحيد الجبهة الداخلية مهم فى هذه الفترة. واختتم الندوة الدكتور صفوت صبحى فانوس، فقال ان القرار ملزم لدولتي السودان لانه صدر تحت الفصل السابع، ولا يوجد اى خيار الا التعامل معه، لان عدم قبوله يعنى العقوبات، واشار فانوس الى ان الهدف من الاعتداء على هجليج هو نقل الملف الى مجلس الأمن وتحريك جمود التفاوض بين الدولتين، وارجع الخطوة الى عدم امتلاك الوسيط الافريقى لادوات ضغط وإكراه يحتاجها اى وسيط لتحريك الملفات، وقال فانوس ان هناك قناعة بدأت تتشكل ان الوساطة الافريقية لن تخدم غرضاً. واشار فانوس الى ان التفاوض وسياسة التنازلات هى المخرج، وانه لايوجد اى عيب فى تقبل الحركة الشعبية قطاع الشمال كحزب سياسى مدنى، واضاف « اذا فشلنا فى الوصول الى حل سياسى يعنى هذا ان كل ما توصلنا إليه خلال العشر سنوات الماضية معرض للإنهيار»، ثم مضى فانوس ليقول ان السودان لا يتحرك فى بيئة صديقة فى العالم الدولى والاقليمى، وألمح الى ان الصين بالتحديد ستقف موقف الحياد بين دولتي السودان لان استثماراتها مازالت منقسمة بين السودان ودولة جنوب السودان، ولهذا ليس لها مصلحة فى الإنحياز لأى طرف.