لم تمر ثلاثة أيام على القرار الدولي (2046) الصادر عن مجلس الأمن بخصوص طيّ النزاع السوداني الجنوبي حتى سارعت الحكومة الجنوبية لإتهام الحكومة السودانية بشنّ هجمات جوية على مناطق بولاية الوحدة، فقد صرّح المتحدث بإسم الجيش الشعبي العميد (فليب أقوير) لرويترز إن الجيش السوداني عاود قصف مواقع جنوبية بالمدفعية فى تشوين ولالوب وباناكوش. وقبل أن ينفي الجيش السوداني هذه المزاعم الجنوبية، إذا بوزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) تسارع - من على البعد فى واشنطن - بإدانة القصف السوداني على مواقع جنوبية مطالبة الحكومة السودانية بوقف ما أسمته (بالهجمات الجوية الاستفزازية)! لاحظ هنا عزيزنا القارئ أن العميد أقوير زعم أن القصف الجوي جري بالمدفعية، ولكن كلينتون حولت المدفعية الى طائرات وقالت إنه (قصف جوي استفزازي)! والواقع يمكن اعتبار قضية القصف الجوي هى كلمة السر إذا صحت العبارة، التى تدور حولها كل التحركات الجارية فى مجلس الأمن منذ أن تقرر استصدار القرار الدولي واختطاف بيان الاتحاد الإفريقي ثم إعادة صياغة القرار ليخرج فى صيغته النهائية الواردة فى القرار 2046. واشنطن لها غرام خاص مع هذه العبارة وظلت - لأشهُر طوال - تستخدمها بغية جعلها المحور الذى تدور عليه تحركاتها ضد السودان. والغريب أنه وحتى هذه اللحظة لم تقدم واشنطن ولا جوبا مجتمعتَين أو كلٍ على حدا إثباتات واضحة قابلة للأخذ بشأن هذه الهجمات الجوية. وقد سبق لجوبا أن زعمت - قبل اجتياحها هجليج - أنها تعرضت لهجمات جوية من الجيش السوداني داخل أراضيها، الأمر الذى استفزها ودفعها لإحتلال هجليج! والأكثر غرابة أن جوبا ظلت تدعي وتزعم طوال الوقت إن الخرطوم تشنّ عليها هجمات بالطائرات، بينما لم يثبت مطلقاً أنها تصدت لهذه الطائرات عبر المدافع المخصصة لذلك، والتي لا يتصور أحد أن جوبا لا تملكها؛ فالدفاع الجوي كان من الممكن فى هذا الصدد أن يحسم هذا الادعاء لو قام بالتصدي للهجمات الجوية كما تزعم جوبا. وقد رأينا من قبل عدد من الأشرطة المصورة سينمائياً حاولت بعض المنظمات الأمريكية الإيحاء بها كأدلة على القصف الجوي، ولكن كانت المشكلة -ولا تزال- أن هذه الأشرطة السينمائية وفضلاً عن أنها صادرة عن جهات مجهولة، لا تقدم أدلة حية على وجود طائرات سودانية تقوم بالقصف، فهي تقدم صوراً لأناس هاربين الى الجبال والكهوف ولكنها لا تقدم طائرات، أو حتى قذائف تدل دلالة قاطعة على أن هذا القصف قصف جوي وأن الجهة القاصفة جهة سودانية. وقد تضمن قرار مجلس الأمن الأخير الذى حمل الرقم 2046 بنداً يطالب فيه الحكومة السودانية بإيقاف القصف الجوي، وكان واضحاً أن هذا هو مربط الفرس فى القرار كله، كل المطلوب هو أن توجه جوبا اتهامات الى الخرطوم تزعم فيها استمرار القصف، وما على مجلس الأمن سوي الأخذ بالإتهامات الجنوبية بعد أن يوردها تقرير صادر عن أمين عام الأممالمتحدة، ومن ثم تتم إدانة السودان لتتم على ضوء ذلك معاقبته وفق المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. ولهذا، رأينا كيف سارعت هيلاري كلينتون بمطالبة السودان بوقف القصف الاستفزازي على الأراضي الجنوبية! فقد كان المتحدث بإسم الجيش الشعبي يزعم ان السودان يقصف (بالمدفعية) وليس بالطيران، أراضي جنوبية في ولاية الوحدة ولكن كلينتون التى كانت تنتظر هذه الإشارة لم تكترث كثيراً لما إذا كان القصف مدفعياً أم جوياًّ!