الدولة المنفصلة في الجنوب ليس لديها حتى الآن تاريخ سياسي أو إرث تنفيذي تستند عليه وهي بهذا التوصيف دولة في مهب الريح تتقاذفها أطماع الأمريكان والإسرائيليين وجيرانها الطامعين في اجتياحها طال الزمن أو قصر مثل يوغندا. عدم توفر الإمكانات والموارد البشرية ومراكز البحث وضعف الخبرات في إدارة الدولة هو أبرز ما يميز دولة الجنوب ومن هذا الباب تأتينا الرياح العاتية والعابثة نتيجة عدم الفهم وضعف تقدير الأمور وتستمر أزماتنا مع الجنوب لهذه الأسباب ولأسباب أخرى منها إن الدولة الوليدة والتي لم تكمل (سن الروضة) بعد، أصبحت مستغلة بما لا يدع مجالاً للشك من القوى الغربية لتنفيذ إستراتيجياتها في المنطقة مما يجعل من حسابات التفاوض مع الجنوب أمراً معقداً لأن المفاوض السوداني سيجد نفسه يحاور آخرين من وراء حجاب وأن الذين أمامه ليسوا سوى مكبرات صوت أو مجرد أدوات للمفاوض الحقيقي الذي يجلس بعيداً ويدير هؤلاء المفاوضين (بالريموت كنترول). وفي تقديري إن المفاوضات مع دولة الجنوب تحتاج لطبخة أخرى خارج المطبخ الرئيس مع المفاوضين الحقيقيين وليس (الأرجوزات)! وهذا لعمري عمل دبلوماسي شاق ويحتاج لعبقرية خاصة وقدرات عالية. وإذا راجعنا هواجس الحكومة السودانية تجاه دولة الجنوب نجد أن الحكومة تطالب بطي الملف الأمني قبل الدخول في أي نوع من أنواع التفاوض وذلك لان حسم الملف الأمني يوفر كثرة الحديث داخل غرف التفاوض المغلقة وحسم الملف الأمني يغل يد الجيش الشعبي عن التعدي علي حدود السودان، فهذا الجيش – ولا أقول الدولة لأنه ليس هناك دولة – بني إستراتيجيته على أطماع توسعية في التراب السوداني وفقاً لخطة شاملة لغزو السودان وتفكيك إطاره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وخلق نوع من الفوضى التي ستفضي إلى ترتيب الأمور على نحو ما يريده المفاوضون الحقيقيون خلف الستار. إستراتيجية التفاوض مع دولة الجنوب يجب أن تكون شمولية بحيث تضع في اعتبارها إرسال رسائل معينة إلي الرابضين في أعالي البحار وأسافلها. هذه الرسائل لا بد أن يكون محتواها أن السودان ليست لديه أطماع توسعية لا في الجنوب أو أي من دول الجوار الأفريقي بل على العكس من ذلك أن معظم هذه الدول تأكل من خير السودان بطريق مباشر عبر التجارة والتبادل السلعي أو بطريقة غير مباشرة عن طريق التعريب! وإذا راجعنا تأريخنا الوسيط نجد أن السودان لم تسجل له أية حالة تسلل في حدود دولة مجاورة فالسودان كان دائماً في موقف المعتدي عليه حدث ذلك في عهد السلطنة الزرقاء عندما رد السلطان بادي أبو شلوخ الغزو الحبشي بقيادة الملك إياسو الذي لقي حتفه في تلك الغزوة، كما صد جيش الخليفة عبد الله التعايشي بقيادة حمدان أبو عنجة عدواناً أثيوبياً مماثلاً في القلابات، وشهد السودان غزواً مصرياً تركياً على عهد محمد علي باشا. إذن السودان لم تكن له أطماع توسعية لا في السابق أو في الوقت الحاضر وفي ذات الوقت ظل السودان يواجه سهام الاعتداء على حدوده أشدها إيلاماً تلك الصادرة عن دولة الجنوب التي تفرغت تماماً للاعتداء على حدود السودان متي ما سنحت لها الفرصة في ذلك ومتى ما تلقت أوامر عليا من مخططي إستراتيجية السيطرة على المنطقة من مستشاريها الغربيين . هذا التحدي الغربي الذي يستخدم دولة الجنوب (كسنارة) لاصطياد السودان وابتلاعه يجب أن يحظي بدراسات إستراتيجية عميقة المستوي والمحتوي لوضع الترياق المضاد لها. نقلاً عن صحيفة الرائد 27/5/2012م