كثفت ما يُسمي بالجبهة الثورية طوال الأسبوعين الماضيين عملياتها فى محاولة يائسة على ما يبدو للحيلولة دون توصل الأطراف المجتمِعة حالياً فى أديس أبابا – الخرطوم وجوبا – الى حلول نهائية بشأن النزاع الناشب بنيهما. ففي الأسبوع الماضي وتحديداً يوم الاربعاء هاجمت قوات من حركة العدل والمساواة حقل (نيم) النفطي بغرب كردفان؛ كما جرت عدة محاولات فى جنوب دارفور وشمال دارفور للسيطرة على مناطق استراتيجية. وعلى الرغم من فشل كل هذه المحاولات سواء بسبب الأسلوب المتكرر القائم على الضرب والهرب، أو بسبب وقوع هذه القوات فى كمائن الجيش السوداني، أو لضيق أهالي تلك المناطق بهذه المجموعات المتمردة جراء ما تقوم به من نهب وسلب يزيد من معاناتهم، فإن من المتوقع أن تتصاعد وتيرة هذه الهجمات بإضطراد. الاسباب معروفة، فهى الفرصة الاخيرة لهذه المجموعات المتمردة لكي تحصل لنفسها على مزيا وهى تخشي من أن يأتي الغد - وهو آتٍ لا محالة - وقد رست سفينة البلدين -السودان وجنوب السودان- على جوديّ الاتفاق والاستقرار؛ إذ أنه ورغم تشاؤم العديد من المراقبين من مآلات التفاوض، إلاّ أن نسبة إمكانية نجاح المفاوضات تبدو متصاعدة وفى حالة تزايُد بعدما أيقن الوسطاء انفسهم – بما فى ذلك وسطاء أمريكيين – أن من الضروري إنجاح هذه المفاوضات، والأكثر ضرورة وأهمية طيّ الملف الأمني أولاً. وما من شك أن من شأن حسم الملف الأمني أن يقود الى فقدان ما يسمي بالثورية للملاذ والمُنطلَق والدعم اللجوستي الذى كانت توفره لهم حكومة الجنوب. وبالطبع ليس هنالك خيار آخر لهذه الجبهة الثورية، فلا تشاد يمكنها أن ترحب بهم ولا إرتريا ولا ليبيا، كما كان الأمر يحدث فى السابق، وحتى كمبالا التي ذهب إليها بعضهم لن تكون خياراً مناسباً سواء بحكم بُعدها المكاني ووعورة طريقها؛ أو لأسباب استراتيجية أخري يمكن أن تندرج فى ملف العلاقات اليوغندية الجنوبية، والعلاقات الامريكية اليوغندية. كما أن من شأن التوصل الى اتفاقات ولو مبدئية فى أديس أبابا، أن تجعل مجموعات الحلو وعقار مجرد جنود فى حاجة الى تسريح وإعادة دمج ونزع سلاح، وهى تدخل ضمن بنود الترتيبات الأمنية، ومن ثم لن تكون هناك مساحة كافية ليتحرك فيها هؤلاء المتمردون المسرَّحون منزوعو السلاح. الفكرة إذن قائمة الآن على ضرورة أن تقوم الجبهة الثورية – منفردة وبجهدها الخاص – بعمل يكفل لها أن تصبح رقماً يجلعها تجلس على قدم المساواة مع الحكومة السودانية فى تكرار مُمل لإتفاقية نيفاشا 2005، غير أنّ الخطة لم تنجح حتى الآن ولا يُنتظر أن تنجح وعنصر الوقت يسبِّب ضغطاً كبيراً جداً على أعصاب مكونات الجبهة، إذ لا يُعقل أن يحققوا فى أسابيع تُعد على أصابع اليد الواحدة ما عجزوا عن تحقيقه طوال سنوات وشهور منصرمة! من جانب ثاني، فإن الحكومة الجنوبية ربما تضطر بالفعل للتخلي عن مكونات الجبهة تماماً كما سبق لتشاد أن فعلت مع حركة العدل والمساواة، فهي حمولة سياسية زائدة وباتت تهدِّد بقاء الدولة الجنوبية ؛ وتشير (سودان سفاري) فى هذا الصدد الى أن مسئولين جنوبيين مرموقين سبق وأن نصحوا رئيس حكومة الجنوب سفا كير ميارديت بالتخلي عن المتمردين السودانيين بصرف النظر عن أىِّ شيء، وذلك بسبب التكلفة العالية – حسب تعبيرهم – لهذا العمل غير المثمِر، لا علي الصعيد السياسي الداخلي، ولا على الصعيد الخارجي، ففي النهاية - يقول المسئولون الجنوبيين - هنالك مصالح للدولة الجنوبية وهى مصالح استراتيجية عليا لا سبيل للوصول اليها فى ظل دعمنا لهؤلاء المتمردين. وعلى كلٍ فإن ما يسمي بالجبهة الثورية يكافحون بلا جدوي من أجل بناء موقف مستقل لهم حتى لا تجرفهم نتائج المفاوضات الجارية فى أديس أبابا، وهم فى سباق مرير مع الزمن والظروف والمعطيات الماثلة أبعد من أن تكون فى صفّهم.