تعتبر جهات غربية رسمية وأخرى أكاديمية ومراكز دراسات وبحوث ذات صدقية قوية في بلدانها، أن دولة الجنوب التي لم تكمل عامها الأول، أشبه بالدولة الافتراضية، فضلاً عن كونها مثل شمعة مطفأة لا يمكن إشعالها وهي في مهب الريح، ولا تملك مقومات البقاء والصمود في وجه العواصف والأنواء، كما أنها مجرد شظايا متناثرة ومتصارعة من مراكز النفوذ والمجموعات القبلية وأصحاب المصالح والفاسدين، وتنظر كثير من هذه الجهات للحركة الشعبية بأنها محصورة في دورها الذي تأسست عليه كوكيل محلي ينفذ ما يملى عليه من الدوائر الغربية التي رعته، دون أن يتوفر هذا الوكيل على تصور متأمل وأفكار تدفعه لبناء دولة ترعى وتؤمن مصالح الشعب الجنوبي. وبالنظر لقضايا مثل نهب وسرقة مليارات الدولارات من المال العام وأموال المساعدات الخارجية، التي يحاول رئيس الدولة سلفا كير استردادها من مسؤولين جنوبيين كما جاء على لسانه قبل يومين، وتبادل التهم والتراشق بها بينه وبين أطراف في حكومته، بعد تلاشي مئات الملايين من الدولارات في ميزانية الجيش الشعبي واختفاء مليار دولار من عائدات النفط، وتجد الأوساط السياسية الغربية والصحافة في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية، مادة طازجة وصالحة للتناول والتساؤل عند تقييم أوضاع الدولة الإفريقية الجديدة التي تحظى برعاية وعناية مكثفة وخاصة من الحكومات الغربية المدفوعة بضغط بعض جماعات الضغط والناشطين أصحاب الميول للتيارات المسيحية المتطرفة والدوائر الصهيونية. وخلال الفترة الماضية التي سبقت انطلاق جولة المفاوضات بين السودان وجنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تزاحمت تقارير دبلوماسية غربية تتحدث عن خطورة الأوضاع في الجنوب، التي لن تقود لبناء دولة مستقرة وصالحة للحياة في هذا الجزء من إفريقيا. وتمثل تحديات الأمن والاستقرار والبناء والتنمية والسلام والحكم الرشيد وأوضاع حقوق الإنسان والتوترات القبلية والمنازعات والأوضاع الاقتصادية الضاغطة، أهم ما تواجهه دولة الجنوب، التي لم تحسن كما يقول دبلوماسيون غربيون التعامل مع الوصفات الطبية الغربية التي قُدمت لها ولا النصائح المباشرة في وقت ابتلعت فيه بالوعة الفساد الجنوبي كل أموال الدعم التي قدمت لحكومة دولة الجنوب، ولم تتبقَ إلا أموال مشروعات المياه وبعض الخدمات الطبية الضئيلة التي تقدمها منظمات أوروبية وأمريكية. وتضخم الشك لدى الغربيين بشكل خاص في إمكانية منع تدحرج الجنوب نحو الهاوية، فتركيبة الدولة التي تقوم على القبلية ومجموعات المصالح ومراكز النفوذ والقوة في الجيش الشعبي وكارتيل لوردات الحرب الداخلية والمستفيدين من أموال البترول من السياسيين المحترفين، حملة الجوازات الأمريكية والأسترالية، هي تركيبة تتناقض مع أي خطوات للإصلاح واستتباب الأمن وإنهاء الحروبات الداخلية، ورسم ملامح دولة تصلح للحياة .! وفي الوقت الذي تُبذل فيه محاولات يائسة لا تنقطع لمجموعة من المستشارين الغربيين وموظفين رفيعي المستوى في الأممالمتحدة وبعثتها في الجنوب أمثال هيلدا جونسون وزيرة التعاون الدولي النرويجية السابقة التي عُينت ممثلة للأمين العام للأمم المتحدة، وروجر ونتر المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان الذي عيِّن مستشاراً لحكومة دولة الجنوب، وعدد من أعضاء منظمات وهيئات وروابط غربية وناشطين في مجالات مختلفة يؤيدون دولة الجنوب، فإن الأوضاع لا تتجه نحو بر آمن، كما تشير التقارير التي تتزاحم على مناضد صنع السياسة في الغرب وتتنزى من تقارير الصحافة ووكالات الأنباء في العواصم الأوروبية وأمريكا. والتفسير الوحيد لخبو نار الحماس لدولة الجنوب، وفقدانها بريقها بسرعة لدى عرّابيها الغربيين، هو الإحباط والفجيعة في إمكانية قيام هذه الدولة واستمرارها وفق أحلام وتمنيات من ساهموا في صناعتها، فوصف قيادة هذه الدولة بعدم الجدية ونقصان الخبرة والإرادة والخبال السياسي هو أقل ما تُنعت به القيادة الجنوبية في منتديات السياسة الغربية، خاصة ما يتعلق بخلافات جوبا مع الخرطوم وإصرارها على وقف ضخ النفط ثم التسوُّل خارجياً، وهنا لابد من الإشارة إلى ما قاله بعض المسؤولين الأوروبيين الكبار لسلفا كير لدى زيارته بروكسل في أبريل الماضي: «ماذا نعطيك ولماذا؟.. وأموالك تحت أقدامك حبيسة» في إشارة لوقف ضخ بترول الجنوب عبر السودان. وملمح صغير مهم في هذا الصدد أن دولة الجنوب لم تستطع حتى اليوم فتح سفاراتها في دول غربية مهمة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا، بل يتسوّل قادة الدولة الجديدة من خزائن هذه الدول أموالاً لفتح سفارات، ولم يمنحوا سنتاً واحداً. نقلا عن صحيفة الانتباهة6/6/2012