قال الناطق بإسم الوفد التفاوضي السوداني فى أديس أبابا السفير عمر دهب إنَّ رفع جلسات جولة التفاوض بين جوباوالخرطوم مؤخراً جاء بسبب ارتباطات وظروف خاصة بوفد الوساطة الافريقية. ونفي السفير دهب أن تكون المفاوضات قد إنهارت أو فشلت، مشيراً الى ان الجولة المقبلة من المنتظر أن تنعقد فى مطلع يوليو المقبل. وتجيئ هذه التصريحات فى ظل تصريحات وأنباء أشارت الى وصول المفاوضات الى طريق مسدود بما أعطي انطباعاً لدي العديد من المراقبين بإنهيارها. وتشير متابعات (سودان سفاري) ان الجولة المنفضَّة بالفعل كانت قد وصلت الى طريق مسدود وذلك جراء العراقيل التى عملت على وضعها الحكومة الجنوبية سواء على صعيد الخُرط السياسية المخالفة تماماً للواقع، والتى تمسكت بها جوبا، وبإصرار غريب؛ أو على صعيد الجدية نفسها، والمنطق التفاوضي الذى استهترت به جوبا على نحوٍ مريع، وقد أبان الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع هذه النقطة وأفاض فيها بإسهاب وتفصيل فى مؤتمر صحفي تم عقده بالعاصمة السودانية الخرطوم عشية عودة الوفد الى الخرطوم الجمعة الماضية، حيث أكد حسين أن الخارطة التى عرضتها جوبا ضمت مناطقاً جديدة؛ ووصفها الفريق حسين بأنها (خارطة عدائية) . وكان واضحاً من خلال السرد المطول للفريق حسين مستعيناً بخريطة توضيحية ان الطرف الجنوبي ما سافر الى مقر المفاوضات إلاّ بهدف واحد هو طيّ صفحة التفاوض وعرقلتها وتعقيد النزاع. وتفيد متابعاتنا فى هذا الصدد ان التكيتيك الذى إتبعته جوبا كان يرمي الى تعقيد الملف الأمني تماماً أملاً فى أن يضطر الوفد السوداني للقبول بإعطاء الأولوية لملف النفط، وهو الملف الذى تصرّ جوبا على تصدره لأجندة التفاوض؛ وقد نازعت فى هذا الصدد طويلاً دون جدوي واتفق الوسطاء مع رأى الوفد السوداني فى إعطاء الملف الأمني الاولوية . ونستخلص من هذا الموقف الذى قاد لرفع جلسات التفاوض بما يشبه الإنهيار ان جوبا غير راغبة فى مناقشة الملف الأمني، على الاقل فى المرحلة الحالية، وهو موقف مفهوم لجهة أن حلحلة هذا الملف الأمني من شأنه أن يسحب منها كل أوراقها -التى تراها مهمة- فى العبث بالأمن القومي السوداني سواء فى إطار دعمها للمتمردين السودانيين، أو فى دخولها عبر جيشها الشعبي شمال حدود 1956 فى أنحاء جنوب كردفان والنيل الازرق وجنوب دارفور، ولهذا فإن الوفد الجنوبي عاد الى جوبا وفى خاطره أن يعود فى الجولة المقبلة بذات الذهنية وذات الموقف حتى يتحقق له واحداً من أمرين: إما أن يرضخ الجانب السوداني فيقبل بمناقشة الملف النفطي على أن يُؤجل الملف الأمني قليلاً؛ أو أن تنهار المفاوضات إنهياراً كاملاً، فيتحول الأمر بكامله الى مجلس الأمن -وفق بنود القرار 2046- وهو ما تري جوبا أنه يناسبها إذا كان ما سيقرره المجلس هو المزيد من الاجراءات والضغوط على الجانب السوداني. ولا يبدو بهذه المثابة ان جوبا عابئة أو مكترثة كثيراً بمآلات وضعها الاقتصادي الآيل للإنهيار وفق ما حدده البنك الدولي فى تقريرٍ له الشهر الماضي، وقرّر له يوليو المقبل. وعلى كلٍ فإن مجرد وجود إرادة سياسية لإستئناف المفاوضات فى يوليو المقبل وبصرف النظر عن ما قد يستجد فيها، يعتبر فى حد ذاته أمراً جيداً. كما أن ظهور تكتيك الوفد الجنوبي بكل هذا القدر من الوضوح من شأنه أن يتيح للجانب السوداني إعادة ترتيب أوراقه بصورة أفضل بما قد يشكل مفاجأة مذهلة للوفد الجنوبي فى الجولة المقبلة المنتظره!