قال الحزب الوطني الحاكم فى السودان إنه عازم –ضمن التدابير التى شرع فى إتخاذها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية فى السودان – على تقليص مشاركته فى الجهاز التنفيذي بنسبة 50% فى المركز والولايات. وأوردت أنباء عن المركز العام للحزب السبت الماضي أن إجتماعاً للحزب وُصِف بالهام جداً قد إنعقد على هامش مؤتمر شوري الحزب ترأسه الرئيس البشير وحضره نائبه لشئون الحزب الدكتور نافع على نافع وولاة الولايات ونوابهم، طرحت فيه رؤية الحزب لعملية التقليص المرتقبة، وأفادت الأنباء ان الاجتماع المغلق سادته مداولات ساخنة، ورؤي عملية بالغة الأهمية والعمق لما ستكون عليه مشاركة الوطني فى المرحلة المقبلة. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى أورقة المركز العام للحزب المطل على شارع المطار بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، إلى أن ما يجري من معالجات إقتصادية وسياسية هذه الايام يعتبر عملاً غير مسبوق لجهة أن قادة الحزب على كافة المستويات متفقون تمام الإتفاق على ضرورة وأهمية هذه الاجراءت، وبصرف النظر عن التفصيل والوقائع. ومن المؤكد ان إقرار الحزب تقليص مشاركته فى الجهاز التنفيذي الى النصف يشير الى ان الحزب مهتمّ بتنفيذ اجراءات التقشف بالبداية بنفسه قبل الاجراءات الأخري وهى نقطة شديدة الاهمية، لكون إن العديد من المراقبين والخبراء يركزون فى إنتقاداتهم لهذه الاجراءات على الجانب المتعلق برفع الدعم عن المواد البترولية والمحروقات لما يعتبرون أنها تفضي الى آثار سالبة على معاش المواطنين فى حين أن رفع الدعم فى الواقع ليس سوي (بند واحد) من بين عشرات البنود التى ستطبق كحزمة واحدة لمواجهة الأزمة وإحتواء آثارها السالبة على كافة الصعد. الوطني بخطوة التقليص هذه يقدم عدداً من البنود المفيدة للغاية فى شأن سياسة التقشف، إذ أنّ التقليص يوفر على الأقل 50% من الأموال التى تصرف على الجهاز التنفيذي، ومخصصات شاغلي مناصبه سواء على مستوي المركز أو الولايات، وهو رقم ليس سهلاً. كما أن هذا الاجرء اذا أضيف مع اجراء تخفيض المخصصات لل50% المتبقي من منسوبي الحزب فى الجهاز التنفيذي، فإن المعادلة دون شك تبدو جيدة للغاية ومن شأنها أن توفر المزيد من بنود الصرف التى تحتاجها الموازنة العامة للدولة غاية الإحتياج. ولهذا فإن من المهم النظر الى الاجراءات التى أجازها شوري الحزب الوطني –السبت الماضي– من زاوية كونها أجازت تقليص الحكومة، ورفع الدعم عن المحروقات كحزمة مترابطة ومتصلة ببعضها لا غني عن أىِّ واحدة عن الأخري؛ وهذا ما يجعل من هذه الاجراءات تتجاوز حدود كونها اجرءات طارئة لمواجهة أزمة طارئة فحسب، وإنما هى عملية إصلاح شاملة الهدف الاستراتيجي منها هو إصلاح الاقتصاد السوداني الذى ظل لعقود يعاني من تشوهات أودت بالكثير من عنفوانه وأقعدته طويلاً. فتقليل الصرف الحكومي بالشدة التى تم بها الآن بمراجعة عشرات الحسابات الحكومية والتخلص من العديد من الهيئات والمؤسسات التى يمكن أن يستمر عملها بطرق أخري أقل تكلفة وأقل صرفاً، وهى أمور طال الإنتظار لها، كما أن تقليص عدد الوزارات فى المركز والولايات وتقليل شاغليها الى أدني حد، وهو أمر ينبغي ان يستمر بإعتبار ان الدولة السودانية ما تزال فى حاجة الى إعادة هيكلة تراعي كافة متطلبات المرحلة الحالية والمقبلة. إن ما جري الآن من قبيل المران الشاق لجسد مترهل أصابه خمول وعاني من البدانة لسنوات، وآن أوان إخراجه من حالته هذه والسعي الى جعله سليماً معافي برشاقة صحية ملحوظة من شأنها أن تجعله قادراً على الوثوب عالياً والقفز على الحواجز وتخطي الصعوبات.