عندما اجتمع قادة قبيلة قريش من المشركين، جلسوا يفكرون حائرين في كيفية قتل الرسول صلي الله عليه وسلم، في الليلة التي كان مقرراً أن يهاجر فيها إلي المدينةالمنورة برفقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فدخل عليهم رجل في هيئة أعرابي وقدم لهم اقتراحه بأن يختاروا فارساً من كل قبيلة، فيدخلوا على الرسول صلي الله عليه وسلم في المكان الذي كان سيقضي فيه ليلته قبيل الخروج مهاجراً، في توقيت لم تستطيع قريش معرفته تحديداً، ويهجموا عليه بسيوفهم هجمة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل، ولن يستطيع بنو هاشم بعدها أخذ الثأر لمقتل أبنهم – وهو الرسول صلي الله عليه وسلم – فاستحسنوا اقتراحه وأبدوه والتزموا بالعمل به، وعندما هموا بشكره ومصافحته كان قد اختفي كأنه تبخر في الهواء، وفيما بعد اخبر الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه، ومن بينهم بعض فرسان قريش الذين كانوا حضوراً في اجتماع المؤامرة ذلك ثم أسلموا وحسن إسلامهم، اخبرهم بأن ذلك الناصح الذي دخل عليهم في هيئة أعرابي لم يكن إلا شيطاناً أتاهم ليعينهم على قتل رسول الله، وبالطبع نعرف جميعاً بقية السيرة، حيث ذهب هؤلاء الفرسان ممثلين لكافة قبائل العرب شاهرين سيوفهم، فاقتحموا غرفة رسولنا الكريم ليجدوا علياً بن أبي طالب رضي الله عنه يستلقي على فراش الرسول صلي الله عليه وسلم، فرجعوا خائبين، وكان تخطيطهم وتخطيط شيطانهم في بوار!! هذه المقدمة سقتها لأذكر أن تخطيط أمريكا وإسرائيل منذ سنوات طويلة لفصل جنوب السودان عن شماله كان وسيظل تخطيطاً شيطانياً، لانه بعد أن تحقق الانفصال الآن أرادوا (قتل) الشمال عن طريق تكديس (المقاتلين) من كافة فصائل وحركات التمرد في الولايات المتاخمة لحدود دويلة الجنوب، إضافة إلي (الجنود المدججين) و (الخبراء) من كل دول تناصب السودان العداء، إلي جانب (المرتزقة) الذين يحاربون من أجل الدولار وحده، كل ذلك كي يتفرق دم شمل السودان بين هؤلاء جميعاً، فلا يستطيع أبناء شمال السودان أخذ ثأرهم لكن حينما دخل المتآمرون والمتمردون والمرتزقة في غرفة (هجليج) لقتل السودان، وجدوا كل الشعب السوداني يستلقي علي سرير (هجيلج) فاندحروا خائبين!! ولنا أن نتسائل: فرغم اندحار المتآمرين والمتمردين والمرتزقة خائبين، هل نأمن مكرهم؟؟ كلا: لأن الاعتداء على مدينة تلودى بجنوب كردفان عدة مرات، ثم احتلال هجليج بالذات في التوقيت الذي نفذ فيه، لم يكن كل ذلك صدفة على الإطلاق، فهناك أياد ظاهرة وأخرى خفية تعمل على استمرار الصراع بين دويلة الجنوب والشمال، وفي مقدمة هذه الأيادي الملوثة بالتأمر والعداء أمريكا وإسرائيل، اللتان سعتا منذ سنوات طويلة لفصل جنوب السودان عن شماله. إن أمريكا وإسرائيل تعتبران دويلة الجنوب هي بوابتهما الجديدة للسيطرة على العالم العربي، وهذا يؤكد أن إسرائيل وأمريكا تريدان فرض سيطرتهما التامة على هذه المنطقة بالقوة، وتعملان بكل الوسائل كي تبتعد دويلة الجنوب عن عمقها الإستراتيجي الجغرافي والطبيعي وهو شمال السودان، وبناءً علي ذلك، فإن أمريكا وإسرائيل لن تقبلا الآن قيام دويلة الجنوب الوليدة بإنشاء علاقات صداقة أو تعاون مع الشمال، كما أنهما ستحاربان أية محاولات مستقبلية على ألمدي القريب أو البعيد للتقارب أو التفاهم بين الجنوب والشمال، وتسعيان أيضاً لاستخدام دويلة الجنوب في تفتيت شمال السودان إلي دويلات صغيرة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، وذلك حتى تضمنا سير هذه الدويلات في الفلك الأمريكي والإسرائيلي دون أية مقاومة حالياً ومستقبلاً!! إن أمريكا تكيل للسودان من كل الاتجاهات، فهي تضع السودان على قائمة الدول المارقة عن سيادتها، والدول الداعمة للإرهاب (حسب المفهوم الأمريكي لمصطلح الإرهاب)، إلي جانب اتهام السودان مراراً بارتكاب جرائم حرب، كما أن أمريكا تسعي من وراء تأجيج نيران الحرب بين دويلة الجنوب وشمال السودان، إلي السيطرة التامة على نفط الجنوب (في المرحلة الحالية)، وكذلك السيطرة الكاملة على نفط الشمال (في المرحلة اللاحقة)، بهدف تأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط، وارتكازاً على هذه الحقيقة ذات البعد الاقتصادي البحت، والتي تثبتها الكثير من الشواهد والدلائل، فإن أمريكا ترى في التوافق بين الشمال والجنوب توافقاً حول تصدير النفط الذي تدخلت أمريكا وإسرائيل لوقف تصديره، وتقومان حالياً بتقديم دعم تعويضي شهري بملايين الدولارات للجنوب حتى لا يضخ بتروله عبر خط أنابيب الشمال. كل الوقائع المرصودة بالإثباتات تشير أيضاً إلي أن أمريكا وإسرائيل تعملان معاً الآن لضرب اقتصاد شمال السودان، والتسبب في انهياره بحجرين: الحجر الأول: منع شمال السودان من الحصول على أي إيرادات بالدولار مقابل تصدير بترول الجنوب عبر خط الأنابيب الذي يمر في أراضيه إلي ميناء بورتسودان بشرق السودان. الحجر الثاني: احتلال حقول النفط التابعة لشمال السودان بواسطة الجيش الشعبي لدويلة الجنوب وفصائل التمرد والمرتزقة المتحالفة معها، تحت ستار العديد من الدعاوي والتبريرات، وبالتالي منع السودان من تحقيق أي إيرادات بالعملة الصعبة من خلال استخراج وتصدير نفطه، ومن ثم الإبقاء على هذا النفط في باطن الأرض لصالح الأجيال الأمريكي القادمة، حسبما ظلت الإدارة الأمريكية تكرر ذلك منذ عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، الذي تم اكتشاف البترول لأول مرة في تاريخ السودان في عهده، وكان ذلك في حقل المجلد وبكردفان!! لا شك أكثر الدوافع التي تشجع دويلة الجنوب على الاعتداء على المدن والقرى الحدودية وعلى حقول النفط التابعة لشمال السودان، يكمن في شعورها بالقوة المكتسبة مباشرة من أمريكا وإسرائيل، فلولا توافر هذا الشعور لم يكن في مقدور حكومة دويلة الجنوب أن تستضيف عقب الانفصال فلول حركات التمرد، وأن تواصل اعتداءاتها عقب الانفصال على الشمال، لأنها تعلم التجريب الميداني، قوة وبأس القوات المسلحة السودانية وبقية القوات النظامية والدفاع الشعبي والمتطوعين، في نزالها ومقاتلتها باقتدار منعة وثبات في أي بقعة كانت، بالجنوب أم بالمناطق الحدودية مع الشمال طيلة سنوات الحرب بين الشمال والجنوب!! في الختام: لقد أزكت حرب تحرير هجليج حب الوطن والفداء والرغبة في الجهاد بين كافة أبناء وبنات الشعب السوداني، ورفعت مؤشرات الروح الوطنية لدي السودانيين في داخل البلاد وخارجها إلي أعلي المعدلات، فتنادوا جميعاً بالضرورة القصوى والعاجلة لدعم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، كما اظهرت حرب تحير هجليج إجتماعاً وطنياً مثالياً، وتوافقاً ملحوظاً بين الحكومة والأحزاب السياسية الأخرى، إلي جانب التحرك الدبلوماسي والسياسي والاستنفاري الكبير الذي نجحت الحكومة في القيام به بتناسق وثيقة واقتدار في الداخل والخارج. إذن: فالمهمة الوحيدة للسودانيين الآن بكل ما أوتوا من قوة ووحدة وتصميم، هي إفشال المخططات الصهيوأمريكية الهادفة إلي استخدام دويلة الجنوب لتفتيت شمال السودان. نقلاً عن صحيفة الاهرام اليوم 21/6/2012م