لم يمض أكثر من أسبوعين علي المقال الذي تم نشره في هذا الحيز وذكرت فيه أن جريمة قيام عصابات الجيش الشعبي لدولة الجنوب والفصائل المتمردة المتعاونة معها باحتلال حق هجليج بالشمال مرتين (الأولي في مدينة تلودي بجنوب كردفان وعلي بعض مدن وقري دارفور المتاخمة لدويلة الجنوب لن تكون خاتمة المطاف وان محاولات دولة الجنوب لإسقاط حكومة الإنقاذ لن تتوقف وان كل الشواهد تدل علي ذلك خاصة وان هذه الدولة الوليدة مجرد أصبع في يد جهات خارجية (نعلمها جميعاً) تحركها لغلغلة الأوضاع بشمال السودان تمهيداً لتقسيمه وتفتيته ثم محوه من الخارطة الجغرافية للعالم كدولة اسمها السودان. فها هي عصابات ما يسمي ب(الجيش الشعبي) التابع لدولة الجنوب تواصل اعتداءاتها عبر الحدود منذ الثامن عشر من شهر مايو 2012م علي عدة مواقع مستخدمة عدة كتائب مزودة بالدبابات والأسلحة الثقيلة بما فيها المدافع الرباعية والراجمات وغيرها حيث توغلت الي مسافة تبعد (23) كيلومتراً الي الشمال من حدود 1/1/1956م داخل أراضي السودان وارتكزت هذه العصابات بالقرب من منطقة الميرم الي الشمال من بحر الغزال وحاولت احتلالها عدة مرات إلا أن القوات المسلحة السودانية تصدت لها وردتها علي أعقابها خائبة كما كثفت هذه العصابات هجومها في ويم 22 و23 مايو 2012م علي ثلاث مناطق بولاية جنوب دارفور هي: (كافيا كنجي وسيري ملافيا وسماحة) داخل الأراضي السودانية ونفذت سلسلة من الهجمات العسكرية التي روعت المدنيين في هذه المناطق إضافة الي تسلل قوات من هذه العصابات الي منطقة أم دافوق وانضمت إليها بعض العناصر التابعة لفصيل حركة مناوي المتمردة في دارفور. كذلك قامت قوات ما يسمي ب( الجبهة الثورية) ومجموعة من حركة العدل والمساواة بمهاجمة حقل (نيم) النفطي بولاية جنوب كردفان صباح يوم الأربعاء الموافق للثلاثين من مايو 2012م واختطفت اثنين من العاملين بشركة النيل للبترول بمنطقة نيم بالقرب من منطقة هجليج ورداً علي ذلك قامت قوات كبيرة من الجيش السوداني بالاحتشاد لحماية الحقل وادي الحادث الي مغادرة الآلاف من الأهالي المنطقة باتجاه مدينة الفولة وكشف العاملون في الحقل أن الهجمات تتوالي عليهم من جانب القوات المتمردة حيث قامت قوات من حركة العدل والمساواة خلال الأيام الماضية بمهاجمة حقل نيم باليات عسكرية ثقيلة ودخلت بعمق (7) كيلومترات داخل الحقل. الاعتداءات المذكورة أعلاه تؤكد لنا انه لا يمضي يوم إلا وتتكشف لنا حقائق هامة يسندها الواقع عن المخططات المهولة التي يسعي الجيش الشعبي لدويلة الجنوب( وهو في الوقت نفسه حكومة الجنوب) لتنفيذها ضد شمال السودان بمعاونة فصائل التمرد القادمة من بعض الولايات الشمالية المتاخمة لحدود الجنوب مع الشمال وكذلك بمعاونة المرتزقة القادمين من يوغندا والكنغو وغيرها من دول الجوار الأفريقية كل ذلك بدعم أمريكي وإسرائيلي غير محدود سوءاً بالمال أم بالعتاد أم الأفراد ، تلك المخططات المهولة يجب ألا نغفل عن المعلومات الهامة المتوافرة عن الجيش الشعبي الذي يحكم دولة جنوب السودان بالحديد والنار ويحشد تجاه شمال السودان كل هذا الحشد البشري العسكري الضخم وكل هذا العتاد الحربي الهائل بالياته الخفيفة والثقيلة المحمولة علي آلاف العربات العسكرية السريعة الحركة والمسنودة بمئات الدبابات والمجنزرات وحاملات الجند وهي أن قواته اقرب للعصابات مقارنة بالجيوش النظامية وانه كثير العدد ويعتمد في ولائه علي المال ولا يعتمد علي الولاء الشخصي لقيادته ولذلك يتلقي تمويلاً بملايين الدولارات شهرياً من الدول الداعمة له كمرتبات لهذه القوات وانه مدعوم بعدة وعتاد وتسليح كبير من أمريكا وإسرائيل وعدد من الدول الأوربية إضافة لما يتمتع به من دعاية إعلامية كبيرة ينفذها خبراء إعلاميون من تلك الدول كما يحظي بوجود عد من الخبراء العسكريين من واشنطن وتل أبيب كمستشارين يقومون بتدريب الجيش الشعبي وفصائل التمرد الأخرى القادمة من الولايات الشمالية المتاخمة لحدود دويلة الجنوب علي كيفية محاربة القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية المساندة لها وقوات الدفاع الشعبي والمتطوعين. كما يجب إلا نغفل عن حقيقة هامة وهي أن هناك ترابطاً واضحاً يتجلي يوماً بعد يوم بين السياسة الخارجية الأمريكية تجاه شمال السودان والسياسة الخارجية أيضاً لدولة جنوب السودان تجاه شمال السودان، وهو ترابط أملته وحدة التخطيط والهدف والتآمر لإدخال شمال السودان في أتون حرب شاملة تقضي علي مقومات تطوره ومشروعاته التنموية الحالية والمستقبلية وذلك في حالة غفلة الحكومة أو ظهورها بمظهر الضعف والاستسلام للمخططات الخارجية التي تستهدفها وأيضاً في حالة تضجر الشعب الذي يتم تضييق الخناق عليه في معيشته من خلال تعطيل الإنتاج بحقول البترول بالشمال ووقف تصدير بترول الجنوب عبر خط الأنابيب كي لا يجني الشمال أية عوائد بالعملة الصعبة وأيضاً من خلال ارتفاع سعر الدولار وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات وحدوث الشح والندرة وترنح ميزانية الدولة وارتفاع العجز فيها وأخيراً حدوث الانهيار الاقتصادي الكبير وزوال النظام السياسي الحاكم. أن السياسة الأمريكية الراهنة تستهدف إشعال حرب نفطية بين شمال السودان وجنوبه لانتزاع منطقة هجليج النفطية الشمالية بقوة السلاح وضمها قسراً الي الجنوب علماً بان أمريكا قد بذلت جهداً ضخماً لتوحيد الحركات المتمردة في جنوب السودان وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وبعض مناطق دارفور في جبهة واحدة بداية من رعايةجون قرنق لمناوي ومروراً بتحالف (ياي) السمي الآن ب(تحالف كاودا) ومروراً بمصرع خليل إبراهيم في طريقه الي الجنوب وانتهاء باستضافة جبريل إبراهيم في الجنوب وتحالفه مع الحركة الشعبية كل تلك المعطيات السياسية والعسكرية تؤكد أن هناك حرصاً أمريكياً استثنائياً علي تجدد الحرب بين الشمال والجنوب كي تصبح موارد السودان النفطية شملاً وجنوباً بالكامل في قبضة الشركات الأمريكية . فيما سيتم إسناد مسؤولية تامين تلك المواقع النفطية للحركات المتمردة وفي حالة عجزها ستتم إقامة قواعد عسكرية أمريكية دائمة في الجنوب لكن قبل إقامة تلك القواعد العسكرية ستحرص واشنطن علي القتال في معركتها النفطية في السودان حتى آخر جندي في الحركة الشعبية وحركات التمرد التي تساندها وما جري مؤخراً بهجليج وتلودي ويجري حالياً في المناطق التي تمت فيها الاعتداءات الجديدة التي ذكرتها في بداية هذا المقال خير شاهد ودليل علي استمرار اعتداءات عصابات دولة الجنوب علي الشمال!! أن الحركة الشعبية التي تحكم جنوب السودان، لن تتوقف عن دعمها المباشر للمتمردين من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وبعض مناطق دارفور، بل لن تتوقف عن تدخلها السافر بعديدها وعتادها وقضها وقضيضها حتى تتمكن بالتعاون مع فصائل التمرد التي تستضيفها في أراضي الجنوب من احتلال أراض وحقول نفطية بشمال السودان، ثم تدعي للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبقية المنظمات الدولية بأن شمال السودان، ثم تدعي للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبقية المنظمات الدولية بأن شمال السودان هو الذي يعتدي عليها، بل يتهمها بدون وجه حق باستضافة حركات التمرد وان أراضيها خالية تماماً من المتمردين!! لا شك أن الحركة الشعبية التي تحكم جنوب السودان تستفيد كل الاستفادة من تجاربها السابقة في حروبها ضد الحكومة السودان قبل اتفاقية نيفاشا، فالحركة الشعبية التي كانت مدعومة من يوغندا في بداياتها (وهي التي مكنتها من احتلال بعض المواقع بالجنوب) ظلت تدعي أنها لا تدعم فصائل المتمردين ضد الحكومة السودانية (رغم دعمها لفصائل الشرق التي كانت تنطلق من داخل الأراضي الإريترية واحتلال همشكوريب وغيرها)، وظلت كذلك تخاطب العالم بأن الذين يقاتلون الحكومة السودانية إنما هم مواطنون سودانيون يحاربون من داخل الأراضي السودانية، وها هي ذات اللغة تتجدد حالياً: بان فصائل المتمردين الذين يقاتلون حكومة الشمال الآن منطلقين من أراضي دولة الجنوب، هم مواطنون سودانيون يحاربون من داخل الأراضي السودانية!! نقلا عن صحيفة الاهرام 7/6/2012