قلق وربما إحباط يحيط بالجولة الثانية ينضح من عيون المراقبين، خصوصاً وأن الأجواء الداخلية وفي الدولة المجاورة لا تبشر.. وبعكس المشهد جاء حديث الناطق الرسمي للجنة السياسية الأمنية السفير عمر دهب واثقاً ومتفائلاً رغم كل عوامل الإحباط، فكان التساؤل الخارج عن النص سر التفاؤل، لتكون الإجابة ابتسامة عريضة وبضعة سطور خارج التسجيل، إلا أنها كشفت إلي أي مديً يدرك وفد السودان ما يريده.. فكان الحوار: *تغادرون إلي أديس اليوم.. ما هي توقعاتك حيال الجولة الثانية، خصوصاً وأن الرئيس البشير أعلن عدم الوصول لأية تسوية في ظل طرح الجنوب لخارطته؟ - الجولة القادمة في أديس هي الثانية للمفاوضات بين الطرفين لتطبيق قرار مجلس الأمن 2046 وخارطة الطريق الأفريقية المضمنة في القرار، إذاً الجولة القادمة هي استئناف للجولة الأولي، وسوف تتطرق في بداياتها للحدود وستباشر لجنة الحدود المشتركة من الجانبين البحث في المناطق المتنازع عليها والتي اتفق علي أنها متنازع عليها، وهي خمس مناطق تعرفونها، وستناقش بصورة مهنية لأن أعضاء اللجنة من المهنيين، ثم بعد ذلك أيضاً هناك لجنة متخصصة هي اللجنة السياسية الأمنية التي ستجتمع بعد ذلك مباشرة.. إذاً الجولة القادمة استئناف للعمل وما أنجزناه، ومحاولة قوية لتجاوز نقاط الخلاف الموجودة.. وبحسب علمي فإن هدف وفدنا الوصول لتسوية سلمية للنزاع، باعتبار أننا قد أقبلنا علي الأمر بمفهوم أن قرار ملس الأمن برغم كل ما فيه، ألا أنه مسعى للتسوية السلمية علي حساب غير السلمية، ونعتبره في السودان شيئاً ايجابياً لذا قبلنا القرار الأممي وخارطة الطريق الأفريقية والتفاوض، قبلنا كل ذلك بحسن نية كاملة وتفاؤل وجدية، ونرجو أن تكون ذات العوامل متوافرة لدي الجانب الآخر للوصول لتسوية نهائية، وإذا لم تتوافر فستكون هناك مشاكل وعقبات تستهلك منا الزمن القليل المتبقي لتنفيذ خارطة الطريق الأفريقية والأممية. *لكن عملياً هناك خلافات وصفت بالحادة تم ترحيلها من الجولة السابقة؟ - بالنسبة للخلافات التي استفحلت في الجولة الأولي تتعلق بتحديد نقطة الصفر أو ما يعرف بال (zero line) ونحن حريصون عليه، لتحديد المساحة المطلوبة للمنطقة منزوعة السلاح، وهي تمتد 10كلم شمال خط الصفر من داخل حدود الجنوب، وجنوب خط الصفر داخل الشمال – أي 20كلم علي طول الحدود من الجانبين – ستكون منطقة منزوعة السلاح أو يجب ذلك، وللاتفاق علي خط الصفر يجب الاتفاق علي الخارطة التي تحدد نقطة الصفر. موقفنا واضح باعتماد الخارطة التي اعتمدتها الأممالمتحدة في أعمالها المختلفة، منذ تكوين البعثة الأممية في السودان (يونميس)، ثم البعثة المشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)، والمعتمدة من قبل استقلال السودان في تحديد الحدود الإدارية التي أصبحت بعد انفصال الجنوب دولية، اعتمدنا الخارطة التي نفذنا من خلالها مطلوبات اتفاقية السلام التي تمثلت في قسمة الثروة والسلطة وإعادة انتشار القوات والانتخابات ثم الاستفتاء الذي أدي للانفصال.. نعتمد علي هذه الخارطة لأنها نالت الاعتراف الدولي، وعلي ضوئها حققنا إنجازات كبيرة في تقرير مصير جنوب السودان وفي سبيل إرساء دعائم السلم والاستقرار في منطقة ملتهبة في العالم.. *إذاً، ما الداعي لتغيير الخارطة الدولية والحديث عن خارطة بديلة كما صرح رئيس وفد الجنوب رفضه الاعتراف بخارطة الأممالمتحدة، ومن الأقرب للشرعية الدولية في هذا الأمر؟ - قرأت مؤخراً عن تصريحات باقان التي تحث فيها عن أن شمال السودان غير ملتزم أو بعيد عن الالتزام فيما يتعلق بالشرعية الدولية، ونحن نتساءل فيما يتعلق بالخارطة، من هو الأبعد عن الشرعية الدولية، ومن هو الذي يثير زوبعة في مسألة نعتقد أنها محسومة مسبقاً؟ تصريحات باقان محاولة طمس الحقائق، لأننا لا نختلف علي (الزيرو لاين) الذي نسعى لتحقيقه لتحديد المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين حتى لا تكون هناك مهددات للسلم والأمن الدوليين، وحتى لا يكون هناك اعتداء مثل الذي حدث في هجليج، أي أن هذه المرحلة من المفاوضات لتحديد منطقة منزوعة هي مرحلة تطبيقية لقرار مجلس الأمن، وليس مطلوباً أو مقصوداً تحديد الحدود النهائية بين الشمال والجنوب، لكنه مطلوب لأغراض إزالة التوتر بين البلدين ولعدم تكرار ما حدث في هجليج وغيرها... هذه هي الحقيقة، والتساؤل هو سياق كل الأسباب الموضوعية التي قلناها، لماذا لا يلتزمون بتحديد خط الصفر، علي ضوء السوابق التاريخية الموجودة ويهدف منه تهيئة الأجواء.. لكن للأسف الشديد الطرف الآخر قدم سقوفاً تفاوضية نحن ندرك أنها فقط مجرد مطالبات عالية السقف، مثل تحديد مناطق مُدّعاة، ونحن نعلم أن المجتمع الدولي كان منزعجاً جداً من احتلال هجليج، لأنه يشكل استعمالاً للقوة في تحقيق رغبة غير مؤسسة لدي طرف لضم منطقة معينة، أي أن هجليج منطقة مُدّعاة بغير سند، وهناك مناطق أخري أقحمت في المفاوضات، ولا نري تفسيراً سوي السعي لإفشال الجولة، ولقد سمعنا من ممثلي الشرعية الدولية ومن بعض الدول التي ليست بالضرورة صديقة لنا، أن إقحام هذه المناطق يصب في خانة إفشال المفاوضات في المستقبل. وما المخرج لإنجاح التفاوض في تقديرك؟ - نحن نري أن المفاوضات لتنجح ليس هناك من وسيلة إلا إسقاط المناطق المُدّعاة والالتزام بما تم الاتفاق عليه، وهو الالتزام بخارطة 1/1/1956م بتفسيرين مختلفين، لكننا اتفقنا علي أن المناطق المختلف حولها خمس (أربعة زائد واحد) لا تزيد ولا تنقص، وإضافة أية منطقة إليها يفتح المجال للطرف الآخر، لادّعاء مناطق له بأدلة وأسانيد تؤكد تاريخياً وجغرافياً وقبلياً وسكانياً تبعيتها له. لكن في سبيل إنهاء هذا التوتر وإنهاء أسبابه وتضييق مجالات الاختلاف لم نثر – كطرف – موضوع المناطق المُدّعاة، والتزمنا الحرص وجانب ضبط النفس في سبيل ذلك لأقصي مدى.. هذا هو إسهامنا الجيد والإيجابي الذي يجب أن يعرفه العالم، أننا لم نعمد إلي طرح مناطق مُدّعاة حتى الآن، وحذرنا الجنوب من أننا يمكننا ذلك خصوصاً وأن حجتنا أقوي منه. لكن ما نسهم به في سبيل الأمن والسلم الدولي وفي سبيل تطبيق قرار مجلس الأمن والخارطة الأفريقية هو أننا حتى الآن لم نثر من جانبنا خلافاً حول مناطق مُدّعاة وطلبنا من الجنوب أن يسقط مثل هذا الإدعاءات غير المؤسسية وإلا فإن لنا الخيار الكامل بأن نلجأ إلي ذلك. وصفت الخارطة الجنوبية بأنها ذات طبيعة توسعية، إلي أي مدى يمكن تمييز ذلك.. إستراتيجي أو تكتيكي لأغراض التفاوض؟ - ليس مهماً التمييز، لكن الأهم أن يدرك المجتمع الدولي أهمية أن يكون موضوعياً في مراقبة ما يحدث في أديس أبابا، وأن يكون واضحاً وعادلاً في تحديد الطرف الذي يضع العراقيل والصعوبات الحقيقية بصراحة، التي نجدها علي سبيل المثال في تصريح باقان أموم الممتلئ بمسائل غير بناءة، ونتمنى أن تكون تلك المسألة تكتيكية ويتخلوا عنها بسرعة، خاصة وأن الوقت لا يتيح اللجوء لمثل هذه الألاعيب وأنا أظنها ألاعيب.. إيفاؤنا بالقرار وبخارطة الأفريقية تمثل في التزامنا بالتفاوض، وفي رسائلنا للمجلس التي أعلنا فيها التزامنا بالتطبيق الكامل للقرار وبالخارطة، والتزامنا بالتسلسل المنطقي لتنفيذ القرار. *ماذا تقصد بالتسلسل المنطقي لتنفيذ القرار؟ - أي أنه لكي تنشئ علاقات معافاة يجب أن تنتهي الحساسيات الأمنية ويجب أن ترسي السلام، ليست هناك في العالم أية تجربة دولية حتى في التاريخ السحيق، دولتان أسستا علاقات إيجابية إلا بعد إنهاء أسباب الخلاف، هي المسائل الأمنية التي تحدثنا عنها ، لذلك نحن كما قال قرار مجلس الأمن، أصرينا علي الالتزام به حرفياً في إنهاء المسائل المتعلقة بالسلم مثل وقف العدائيات والامتناع عن دعم الحركات المسلحة في كلا البلدين وغيرها وسرنا في ذلك، ومنطقياً هذا ما دعونا إليه، برغم أن الجنوب سعي للقول أن حكومة السودان تضع شروطاً مسبقة للتفاوض واعتبر ذلك مرفوضاً..لكن عملياً رأيتم أن الفريق الرفيع المستوي الأفريقي لم يكن أمامه إلا إنهاء المسائل الأمنية، لأن ذلك منطق يفرض نفسه أو منطق الأشياء الذي يفرض حسمها أولاً..عندما تفاوضنا الجنوب دون أن يشعر تخلي عن الخطاب الذي يسعي لاستعداد مجلس الأمن ضد السودان، بخضوعه عملياً لمنطق الأشياء وبضرورات التفاوض، والدليل أننا حتى الآن نناقش المسائل الأمنية، وإن لم ننته منها، فسيتعذر الدخول لمناطق التفاوض الأخرى لإرساء علاقات دائمة بين البلدين. ما هو موقفكم من الوساطة بعد ما كشفه رئيس الجمهورية عن حجب السكرتارية لتحفظات السودان علي الخارطة الجنوبية وعدم رفعها لأمبيكي؟ - صدر خطاب من رئاسة الجمهورية في نوفمبر من العام الماضي بطلب من الالتحاد الأفريقي بأن يضع في اعتباره الحقائق التاريخية والموضوعية حيال اعتراض السودان علي منطقة الميل 14 ولا أريد الدخول في تفاصيل.. علي أي حال هذا الخطاب لم يرفع لعلم الفريق رفيع المستوي برئاسة امبيكي وحتى بدء المفاوضات الحالية، وكان ذلك خطأ كبير جداً، أدي للشعور بأن الخارطة التي طرحها أمبيكي نالت موافقة السودان وهذا لم يحدث.. وهذا اعتبرناه خطأ فهو خطأ لا يغتفر، وإذا اعتبرناه عملاً مقصوداً فنحن نستقرئ الأشياء من طبيعتها. *أي أن ذلك يقدح في حيدة الوساطة ويجرح في نواياها؟ - لانستطيع أن نقول ذلك، نحن نثق في الوساطة تماماً، وأرجو أن تؤكدوا ذلك، فقط أشرنا للخطأ الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية في لقاءاته. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 21/6/2012م