عشية إنهيار المباحثات بين دولتي السودان وجنوب السودان، منتصف الاسبوع الثاني من هذا الشهر، كان المراقبون واعضاء الالية الافريقية رفيعة المستوي غير منزعجين من نتائج الجولة، تحدث ممثل الامين العام للامم المتحدة هايلي منغريوس مع "الصحافة" في ذلك اليوم عن ضرورة عمل الطرفين لتفادي الوقوع في مطبات الزمن واضاف في تصريحات نشرت ب"الصحافة" غداة اليوم التالي ان الامور لا تسير بشكل جيد كما انها ليست سيئة، بعد تلك الافادات قدم الرجل تقريره وتقييمه لسير المباحثات، التي تنطلق اليوم، فهذه الجولة سبقتها مطالب اممية ودولية عالية المستوي للطرفين علي حد سواء بضرورة السلام او مواجهة العقوبات، لنقرأ ما قاله رئيس مجلس الامن الدولي، الصيني لي باو دونغ، في البيان الصحافي الصادر مساء الاول من أمس ، الرجل قال ان المجلس شدد على «الالحاح على فورية» انشاء الامن الحدودي الضروري، وانشاء منطقة حدودية منزوعة السلاح وفقا لقرارات مجلس الامن ذات الصلة والخارطة الادارية والامنية التي رسمها الاتحاد الافريقي، قبل ان يذكر الدولتين بضرورة تنفيذ التزاماتهما بمقتضى خارطة الطريق الاصلية للاتحاد الافريقي «فورا ودون شروط مسبقة» أو مواجهة العقوبات، وحث الطرفين على اتخاذ اجراءات ملموسة لحل خلافاتهما. وفدا الخرطوم وجوبا المفاوضان يعودان اليوم الي إديس ابابا التي غادراها قبل عشرة ايام بسبب اخفاقهما في التوصل الي اتفاق يحدد نقطة الصفر للمناطق منزوعة السلاح من الجانبين حسب ما نص القرار 2046، ويقول مراقبون ان التوصل لاتفاق حول المناطق منزوعة السلاح بمثابة فتح الباب امام الملفات الاخري الاكثر تعقيداً، وتاتي هذه الجولة وسط عديد من الضغوط تعيشها الدولتان ، الخرطوم اعلنت سياسة التقشف بداية الاسبوع وكشف الرئيس البشير عن تخفيض الجهاز التنفيذي المركزي والولائي، وعدد من السياسات الاقتصادية، في محاولة للاستدراك على تداعيات الاقتصاد المنهار في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم العديد من الاحتجاجات قالت الشرطة في بيان لها انها محدودة ونادت الجماهير بتفويت الفرصة، بين كل هذه الازمات الداخلية تعود الخرطوم الي الطاولة بعد ان قدمت عدد من التحفظات داخل مجلس الامن بداية هذا الاسبوع على الخارطة المقدمة من دولة الجنوب، لكن يبدو ان عودة الخرطوم هذه المرة تاتي وفق استراتيجية جديدة، فالنائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه إطلع أمس الاول على الترتيبات والإجراءات الخاصة التي اتخذت لإنجاح جولة مفاوضات أديس أبابا مع دولة جنوب السودان، ودخل طه في اجتماع بمكتبه عقده مع رئيس اللجنة السياسية والأمنية للمفاوضات وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، واستعرض خلاله اعضاء اللجنه ورئيسها تقارير مفصلة حسبما نقل وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية المهندس غازي الصادق مؤكداً حرص السودان للمضي في مسيرة السلام وتحقيق الاستقرار الأمني للمنطقة من خلال تعزيز سياسة حسن الجوار مع دولة جنوب السودان. حسنا.. عندما انفضت الجولة الاولي دون احراز تقدم كان وفدا الدولتين قد تبادلا الاتهامات، وحمل كل طرف الطرف الاخر مسؤلية عرقلة التفاوض، الان تنطلق هذه الجولة وفق مطالب اممية وتهديدات بالعقوبات حال الفشل مما دعا العديد من المتابعين لشأن الدولتين بوصفها بالجولة الحاسمة، لكن هل يمكن ان يتوصل الطرفان الي حلول ام هناك مطبات في الطريق تحول دون ذلك؟ الباحث في الاستراتيجيات الدكتوراحمد الحاج يعتبر ان غياب الارادة سيكن عائقا رغم الادراك بان لا مفر من الانزلاق في الحرب دون الوصول الى اتفاق، ويتابع اتوقع حدوث اختراقات في هذه الجولة لان الاوراق الان مكشوفة وكل طرف متمسك بموقفه، بيد ان دبلوماسيون بالعاصمة الاثيوبية اديس اظهروا عدم تفاءلهم باحراز اي تقدم في مسار التفاوض. اذن الجولة حاسمة كما يصفها مراقبون لكن افقها ما زال خاليا من ملامح حل او نقطة مشتركة تفتح الباب امام ملفات اخري، فابيي التي يعتبرها كثيرون اكبر عثرات التفاوض يرجح عدد من الدبلوماسين حسمها دون حسم النزاع حول الارض وتبعيتها وهو ما سيفتح ابواب للتقاضي كما طالب جنوب السودان ودعا وزير شؤن الرئاسة بدولة جنوب السودان حل الخلاف حول الاراضي بالذهاب الي التحكيم وهو ما ترفضه الخرطوم لكنها لا تستبعد ان يكون اخر الحلول اما ما تبقى من ملفات فتنتظر تخطي نقطة الصفر وهي الحدود والنفط وما تبقي دون ذلك، الا ان الجولة تبدو وكأنها تحمل ذات ملامح الجولة السابقة فالخرطوم ما زالت رافضه للخارطة الجنوبية معتبره ان الامر ليس سوي مساعي من دولة الجنوب لعرقلة المفاوضات من خلال الخارطة الجديدة التي أتت بها وتضمنت مناطق سودانية ادعت أنها تابعة لها مخالفة بذلك كل الوثائق والاتفاقات التي أبرمت معها وأقرتها قبل انفصال الجنوب. وجوبا بدورها تقول ان الخلاف حول الحدود يمكن تجاوزه بخارطة موقته وغير نهائية يتم استبدالها عقب الانتهاء من التحكيم، ويضيف كبير مفاوضي الجنوب باقان اموم يمكن ان تاتي الخرطوم بمستنداتها ونحن ناتي بها ايضا لحسم النزاع. ورغم هذه السحب الملبدة بالشكوك وانعدام الثقة التي تظلل قاعات التفاوض فان وفدي التفاوض بدولتي السودان وجنوب السودان يدلفان لبدء جولة ثانية اليوم بعد اخفاقهم في تحديد منطقة عازلة لحدودهما، لكن ربما ليس مصادفة ان يسبق يوم حضورهما الي اديس ابابا ذات اليوم الذي انطلقت فيه زغاريد الفرح بطلاب الشهادة السودانية الناجحين في طول وعرض امتداد الدولتين شمالا وجنوبا، ومساء لقياهم هنا داخل غرف التفاوض اليوم تؤبن العاصمة الاثيوبية اديس ابابا المؤسيقار محمد وردي الذي يعتبر جسر تلاقي اخر بين الشعبين ليبقي السؤال بعد كل هذا هل سيعجز السودانيين من ايجاد نقاطهما المشتركة في جولة يعتبرها الكثيرون حاسمة .!!