لا زالت جذور الخلافات مشتعلة بين دولة السودان، وجنوب السودان حول ملف الحدود، فبينما تمسك وفد جوبا بالتحكيم الدولي لإنهاء النزاع المسلح، ونزع فتيل الأزمة على الشريط الحدودي، تؤكد الخرطوم أن وفدها ليس معترضاً على المبدأ المنصوص عليه في ميثاق الأممالمتحدة، لكن لن تلجأ إلي خطوة التحكيم إلا في حال استنفاذ كافة الوسائل الأخرى. مطالبة دولة جنوب السودان باللجوء إلي التحكيم الدولي عزها وزير رئاسة مجلس وزرائها، وعضو وفدها المفاوض دينق ألور كوال في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلي تفادي سوء الفهم بين الدولتين، باعتبار أن مفهوم دولته لحدود 1/1/1956م، يختلف عن فهم دولة السودان للقضية، مبيناً أن لكل دولة خرائط ومعلومات، لكنهما اختلفتا في قراءة هذه الخرائط ومعلومات، وفي هذه الحالة لا بد من تدخل طرف ثالث بموافقة الدولتين لإيجاد القراءة الصحيحة لحيثيات كل دولة في ما يختص بالخرائط والمعلومات المتعلقة بالحدود. من جهته ينفي عضو وفد التفاوض الحكومي والمتحدث الرسمي باسمه السفير عمر دهب بصفة رسمية طرح الوساطة الأفريقية لمسألة التحكيم الدولي حيال المناطق الحدودية المتنازع عليها، وأكد بأن المقترح دفعت به دولة جنوب السودان. بينما قال ألور إن التحكيم الدولي آلية دولية نهائية لحسم النزاع الحدودي بين الدولتين، وإن دولته ستلجأ إلي الأممالمتحدة حال رفض السودان المقترح، لفرض حلول للطرفين، بعد نهاية فترة الثاني من أغسطس المقبل، التي حددها مجلس الأمن الدولي، كموعد نهائي لإيجاد الحلول للقضايا العالقة بين البلدين. وأكد السفير دهب أن دولة السودان أكدت دوماً أن أمام الطرفين الكثير من الوقت والوسائل الأخرى التي ينبغي اللجوء إليها، والاستعانة بها في مسار التفاوض قبل اللجوء إلي خيار التحكيم الدولي. وكان خبير امني سوداني قال للصحفيين إن وفد دولة الجنوب يسعي لإطالة أمد التفاوض، والخروج مباشرة إلي التحكيم الدولي بشأن النزاع الحدودي، مبيناً أن وفد دولة السودان لا يرغب في التحكيم الدولي، ولن يقفز مباشرة لحرق المراحل، قبل استكمال مراحل التفاوض برعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوي. ويمضي السفير دهب ويشير إلي أن طرح الخيارات المسبقة سيقود إلي إفشال المفاوضات الثنائية بين الدولتين، وعده أمراً مثيراً لقلق دولة السودان، وينبغي إثارة قلق المجتمع الدولي أيضاً لافتاً إلي أن دولة السودان ليست معترضة على مبدأ التحكيم المنصوص عليه في ميثاق الأممالمتحدة، لكنه اعتبرها خطوة لا تلجأ إليها الأطراف إلا بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى، وأكد أن وفد دولة السودان على ثقة للوصول إلي اتفاق بشأن الملف المتنازع عليه بين البلدين قبل التاريخ المحدد. لكن الخبير الأمني أكد أن التحكيم الدولي يحتاج إلي موافقة الأطراف المتنازعة، وأن دولته لن توافق في المرحلة الراهنة على التحكيم الدولي مهما كانت الأسباب والظروف. بيد أن وزير خارجية دولة جنوب السودان نيال دينق نيال كشف عن عدم وصول دولة السودان ودولة جنوب السودان لاتفاق حول المنطقة الآمنة منزوعة السلاح، ونوه إلي ضرورة سعيهم للوصول إلي صيغة توافقية حول القضايا العالقة بين الدولتين، لكنه أشار إلي تباعد المواقف خاصة بالنسبة لتحديد المنطقة منزوعة السلاح، مبيناً أن وفد دولته دفع بمقترح محدد يقضي بسحب قوات الدولتين بمساحة (10) كيلومترات شمالاً وجنوباً، على أن تكون كل المناطق التي يتمركز حولها النزاع جزءاً من المنطقة منزوعة السلاح. من جهته قال وزير الشؤون البرلمانية لدولة جنوب السودان، ورئيس لجنة الحدود مايكل مكوي إن الوساطة الأفريقية دفعت بمسودة توفيقية لوفدي التفاوض لدراستها والرد عليها، وإن وفد حكومته قدم رؤيته حول المسودة، على أن يقدم وفد دولة السودان رؤيته حولها في وقت لاحق لبلورة الرؤيتين للوصول إلي موقف مشترك بينهما. وقال مكوي للصحافيين أمس (الأحد) إن مستند الوساطة يتحدث عن مناطق النزاع على الشريط الحدودي، ونوه إلي أن الآلية الأفريقية رفيعة المستوي تحاول التوفيق بين الآراء المتباينة بغرض مواصلة النقاش حول قضية الحدود، وأشار الوزير إلي أن المستند عبارة عن اتفاقية إجرائية لمناقشة ملف المناطق المتنازع عليها، وتعريفها، وتحديد الأسس التي تنبني عليها المباحثات المشتركة. وأبدي مكوي أملا في تقدم المفاوضات بين وفود التفاوض لإنهاء الخلافات قبل حلول المهلة التي حددها مجلس الأمن الدولي في قراره (2046) وهي الثاني من أغسطس المقبل. وقال نيال دينق إن دولة السودان رفضت مقترح المنطقة العازلة، وأصرت على ضرورة استخدام خرائط الأممالمتحدة، والخريطة التي تأسست عليها اتفاقية السلام الشامل، كأساس لترسيم الحدود، لكن دولته رفضت المقترح باعتبار أن خرائط الأممالمتحدة صممت لأغراض مختلفة وخاصة، وليست لترسيم الحدود الذي يقع على عاتق الدولتين في الشمال والجنوب. ويؤكد دينق ألور أن خلاف الحدود بين الدولتين في جوهره يتمثل في خلاف وجهات نظر الدولتين حول المسائل القانونية، أو الحقائق الموضوعية في إطار العلاقات الدولية، لذلك يصبح خلافاً قانونياً حول التفسير القانوني لنصوص الاتفاقيات أو الخرائط الدولية حول الحدود المشتركة أو المختلف حولها بين البلدين، وأعتبرها قضية تحتاج إلي طرف ثالث يحكم بين طرفي النزاع، لافتاً إلي أن معظم الدول غالباً ما تلجأ إلي محكمة العدل الدولية لحسم النزاع بينهما. نقلاً عن صحيفة الأهرام اليوم 25/6/2012م