أطلقت مؤسسات "جيه بي مورغان" و"بريتش بتروليوم" و"كوخ وإخوانه" المليارديرات، إعلاناً تلفزيونياً ينتقد الرئيس أوباما على الديون القومية. في الواقع، لا أعرف من الذي يقف وراء هذا الإعلان، لأنه ليست هناك طريقة لمعرفة ذلك، وهذه مشكلة كبيرة. تم تمويل الإعلان من قبل مجموعة "كروسرودز جي بي إس"، وهي مؤسسة شقيقة لمؤسسة "بي إيه كي أميركان كروسرودز"، التي يديرها السياسي المحنك من الحزب الجمهوري كارل روف. ولكن نظراً لأن "كروسرودز جي بي إس" هي منظمة اجتماعية غير ربحية ومعفاة من الضرائب، فيمكنها أن تنفق أموالاً غير محدودة، وليست مضطرة لأن تكشف عن مصادرها. في الواقع، تعتبر "كروسرودز جي بي إس" مجموعة واجهة سياسية، والإعلان حزبي بشكل صارخ. فالراوي في الإعلان يقول إن أوباما "يضيف 4 مليارات دولار من الديون كل يوم، من خلال الاقتراض من الصين للإنفاق.. كل ثانية، تتزايد المديونية أسرع من الاقتصاد الأميركي. ويختتم الإعلان بالقول: "قولوا لأوباما أوقف الإنفاق". ومما يزيد الطين بلة، أنه كذبة متبجحة. أوباما لا يضيف للدين كل يوم، فالمساهمة في الدين هي سياسات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ومن بينها تخفيضان ضريبيان كبيران ذهب معظمهما للأثرياء. وكان من المفترض أن تكون التخفيضات الضريبية مؤقتة، ولكنها لا تزال مستمرة، بفعل الابتزاز الجمهوري بشأن رفع الحد الأدنى للديون. وكما قلت، فأنا لا أعرف من يقوم بتمويل هذه الكذبة الكبيرة، ولكن هناك سبب وجيه يجعلني أعتقد أن وراءها بعض الشركات الكبرى وأصحاب المليارات مثل "كوش وإخوانه". وفقا لمصدر موثوق به من داخل واشنطن لمجلة "بوليتيكو"، فإن شبكة "كوش" وحدها سوف تنفق 400 مليون دولار على مدى الأشهر الستة المقبلة، في محاولة لإلحاق الهزيمة بأوباما، وهو أكبر مما أنفقه السيناتور الأميركي جون ماكين على حملته الانتخابية الرئاسية بأكملها في عام 2008. الشركات الكبرى في وول ستريت، في هدوء تقوم بضخ أموال طائلة في مجموعات واجهة أخرى أيضاً، مثل غرفة التجارة الأميركية، التي سوف تستخدم هذه الأموال في بث إعلانات مضادة لأوباما، مع الحفاظ على سرية هوية هذه الشركات. ومن خلال التطلع لجميع الأوجه التي تحبها "بي إيه كي" العملاقة المضادة لأوباما والجبهات السياسية، في ما يتعلق ب"كروسرودز جي بي إس، فإن "بوليتيكو" تقدر بأن إنفاق القوى المناهضة لأوباما (بما في ذلك حملة رومني)، سوف يفوق ما أنفقه أوباما والمجموعات المؤيدة له (بما في ذلك الجهد المنظم) بنسبة 2 إلى 1. فكيف يمكن للشركات الكبرى والمليارديرات أن ينفقوا مبالغ غير محدودة على الأكاذيب الكبيرة، مثل الأكذوبة الواردة في هذا الإعلان، دون أية مساءلة لأنه لا أحد يعلم من أين يأتي المال؟ المسؤولية تقع على الأغلبية في المحكمة العليا، بقرارها الغريب الذي أصدرته في عام 2010 في ما يتعلق بقضية "المواطنون المتحدون" ضد لجنة الانتخابات الاتحادية، فضلاً عن التراخي في التنفيذ من قبل لجنة الانتخابات الاتحادية، والذي يسمح لجماعات الواجهة السياسية بالتظاهر بأنهم منظمات "رعاية اجتماعية" غير ربحية.. وربما نوجّه اللوم أيضاً إلى شيء أكثر عمقاً وأكثر خبثا. إنني لست من أصحاب نظرية المؤامرة (فلا يمكن أن تكون قد خدمت في واشنطن وتعتقد بشكل جادّ أن أكثر من شخصين يمكنهما تصديق قصة كبيرة دون تسريب)، ولكني أخشى أننا على الأقل منذ عام 2010، كنا نشهد انقلاباً هادئا وبطيئاً يهدف إلى إلغاء كل تشريع تقدمي منذ "النهج الجديد"، ويرسّخ المواقف المميزة للأثرياء وأصحاب النفوذ، الذين لم يحققوا الثراء أو النفوذ منذ العصر الذهبي لأواخر القرن التاسع عشر. فمن المقرر أن تغمر هذه الخطة أميركا بأكاذيب كبيرة، يتم ترديدها مراراً وتكراراً، تتمثل في أن الدين هو خطأ أوباما، وأنه خارج عن نطاق السيطرة، فالشركات والأغنياء هم "مصادر الوظائف" الذين يجب أن يحصلوا على تخفيضات ضريبية لتوليد المزيد من فرص العمل، وأن إنفاق الحكومة يعد إهداراً إلا إذا كان إنفاقاً على المؤسسة العسكرية، وأن التشريعات تعرقل القطاع الخاص، وأن عمال النقابات يجري دفع الكثير لهم.. وهلم جرا. سوف تتردد هذه الأكاذيب الكبيرة كثيرا على مدى الأشهر الستة المقبلة، لدرجة أن الأميركيين سيفترضون أنها لا بد صحيحة. ثم تسود البيت الأبيض والكونغرس والولايات المتبقية، التي لم تستسلم حتى الآن إلى اليمين الرجعي. فلننظر إلى انتخابات التي جرت مؤخراً في ولاية ويسكونسن، حيث تجاوز مؤيدو حاكم الولاية سكوت ووكر حد الإنفاق في الدعاية على منافسه، بنسبة 7 إلى 1 مع مساهمات من 14 مليارديراً، بما في ذلك 11 مليون دولار من مؤسسة "كوش وإخوانه". إنني أشك في أن المليارديرات والمديرين التنفيذيين للشركات الذين يقفون وراء هذا الهجوم الإعلاني، يعتزمون استبدال ديمقراطيتنا بالنخبة الثرية، فهم يريدون المضي في طريقهم فحسب. لكن المبالغ التي لم يسبق لها مثيل والتي يغدقونها الآن في السياسة، ومعظمها ينفق سراً، تقوض نظامنا الحكومي، كما كنا نعرفه يوما. المصدر: البيان 26/6/2012م