يفتقر أكثر من 300 مليون شخص من سكان أفريقيا إلى مياه الشرب الآمنة، على الرغم من أن لديها مصادر غزيرة للمياه. فقد نشرت مجلة "إنفايرونمنت ريسيرش ليترز" ، أخيراً، مجموعة من الخرائط لموارد المياه الجوفية في افريقيا، وهي نتائج لجهود عامين من البحث بقيادة هيئة المسح الجيولوجي البريطانية وبتمويل من وزارة التنمية الدولية البريطانية. وأظهر البحث أن حجم المياه المخزنة تحت الأرض بشكل طبيعي داخل الشقوق ومسام الصخور في افريقيا هو أكبر بكثير (ربما أكبر ب 20 مرة) من ال 8 آلاف ميل مكعب من المياه الظاهرة للعيان في البحيرات والأنهار. ويحمل هذا الماء إمكانات هائلة لمساعدة الشعوب والدول على الخروج من الفقر، وإنتاج المزيد من الغذاء والتكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ. لكنه قد يؤدي أيضا إلى نشوب توترات ونزاعات بين الدول المتجاورة. وقد تم تحديد ما لا يقل عن 45 طبقة من المياه الجوفية عبر الحدود أفريقيا حتى الآن، و أحياناً ما تقود المنافسة إلى توترات خطيرة. ومع ذلك، نظراً لأن المياه الجوفية تتحرك ببطء شديد (عادة بمعدل أقل من ثلاثة أقدام يومياً)، ينبغي أن تعتبر طبقات المياه الجوفية المشتركة وسيلة للتعاون، وليس للتنافس، وتحديد طبقات المياه الجوفية وتوصيفها هي الخطوة الأولى. و إقراراً منها بذلك، فقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2011 أعضاءها لبدء العمل نحو هدف مشترك، وهو الإدارة الفعالة لموارد المياه الجوفية المشتركة. العائق الكبير في الوقت الراهن، فإن العائق الرئيسي للإمداد بالمياه الصالحة للشرب هو نقص الأموال. فإذا كان هناك استثمار كافٍ للتنقيب عن المياه الجوفية و اختيار مواقع آبار المياه بعناية، فإنه من الممكن أن يتم حفر بئر يمكن أن يوفر ما يكفي من المياه الصالحة للشرب للمجتمعات المحلية بتكلفة معقولة. وتستجيب المياه الجوفية ببطء لموجات الجفاف والفيضانات، ونتيجة لذلك، فهي أكثر قدرة على التكيف مع التقلبات المناخية مقارنة بإمدادات المياه المأخوذة من الأنهار أو البرك. ولذلك، فإن الاستثمار الجاد والمستمر في آبار ومضخات المياه سوف يساعد على توفير إمدادات مياه آمنة وموثوق بها لعدد كبير ممن يعيشون دون مياه صالحة للشرب. ومع ذلك، فإن الاعتماد على المال وحده لن يحل مشكلات مياه الشرب. هناك نحو 30% من آبار المياه في أفريقيا لم تعد تعمل، لذا فإن الجهات المانحة، مثل البنك الدولي و مؤسسة غيتس والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بحاجة لإبداء الجدية فيما يتعلق بصيانة و استدامة الخدمات. وتميل إمدادات المياه الجديدة إلى من هم أفضل حالاَ، لذلك فإن الاستثمار في خدمات جديدة ينبغي أن يتم توجيهه إلى المناطق النائية، حيث يعيش العديد من أكثر السكان فقراً، ومع الاستخدام المتزايد للمياه الجوفية تأتي الحاجة إلى المزيد من السكان من ذوي الخبرة لتطوير وإدارة الموارد . مصدر القلق الرئيسي إن مصدر القلق الرئيسي هو أن الناس قد يستخدمون المياه الجوفية بصورة مفرطة على الرغم من أنها غير مستدامة. هناك الكثير من النقاش حول انعدام الأمن الغذائي في افريقيا، و يبدو الري للوهلة الأولى القائم على المياه الجوفية كأنه الحل المثالي. ومع ذلك، فإن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ تبين الخرائط أنه بعيداً عن المياه الجوفية تحت الصحراء الكبرى لا توجد كثير من المناطق التي يمكن حفر آبار مياه فيها، و لا يتوقع أن تضخ ما يكفي من الماء للحفاظ على الموارد الأساسية، كتلك الموجودة في ولاية نبراسكا بالولايات المتحدة. ربما يكون هناك حل وسط محتمل في تشجيع الري على نطاق صغير في إفريقيا باستخدام آبار مياه أقل انتاجية. لكن هذا النهج أيضاً يتطلب استثمارات كبيرة وخبرة في تنامي المياه الجوفية وتقليص تكلفة الحفر والمضخات. أولويات بارزة على الرغم من أن موارد المياه القابعة تحت الصحراء الكبرى مشجعة، إلا أن الوصول إليها لا يبدو سهلا، حيث تتطلب حفر آبار عميقة ذات تكلفة مرتفعة وخطوط أنابيب كبيرة لنقل المياه إلى الأماكن التي يحتاجها السكان. وتعد ليبيا أحد البلدان التي استثمرت بكثافة في استخدام المياه الجوفية جنوب الصحراء الكبرى في مشروع النهر العظيم الذي أنفقت فيه نحو 20 مليار دولار بهدف توفير المياه للمدن الساحلية ولأغراض الري. لا ينبغي لنا أن نصرف أنظارنا عن وجود طبقات المياه الجوفية تحت الصحراء الكبرى وعن الأحلام بمد خطوط الأنابيب القارية. يجب أن تكون الأولوية لخدمة الذين ما زالوا مضطرين لشرب المياه الملوثة من البرك والحفر في مجاري الأنهار الجافة، ويجري ذلك بصورة متواصلة. ينبغي لنا المضي قدما في هذه المهمة لخفض تكاليف الحفر وتعزيز معايير البناء ودعم وتشجيع المهنيين العاملين في تطوير المياه الجوفية في أفريقيا.