تكفّلت الأقدار وحدها بالرد على بعض الدول والجهات التى وجهت إنتقادات حادة للحكومة السودانية جراء تصديها لعمليات الشغب والتخريب التى تقوم بها بعض القوى المعارضة مستغلِّين الاجراءات الاقتصادية الإصلاحية الاخيرة التى لجأت إليها الخرطوم لإستعدال الاختلال فى الموازنة العامة للدولة. ففي حين أن وسائل الاعلام تزعم أنها تظاهُرات وإحتجاجات، وتقول إن الحكومة تقوم بقمعها، فإن الحقائق على الأرض تؤكد أنها عمليات تخريب وإلحاق أضرار بالممتلكات العامة والخاصة. أراد القدر أن يُجلي هذه الحقيقة لتسطع كالشمس فقيَّضَ لها ساحة رحبة فى منتصف العاصمة البريطانية لندن قبل يومين؛ حين سيَّر بعض منسوبي ما يسمي بالجبهة الثورية هناك ومعهم - للمفارقات - مواطنين من دولة جنوب السودان، وبعض الناشطين (الأجانب) مسيرة إحتجاجية كانت وجهتها بحسب الإخطار المسبق الذى قُدِّم للشرطة البريطانية، مقر السفارة السودانية بلندن. المفاجأة التى صُعقت لها السلطات البريطانية ان المتظاهرين خرقوا عنصر التوقيت وجاءوا قبل الوقت المقرر. المفاجأة الثانية التى ألجمت لسان السلطات البريطانية ان المتظاهرين لم يلتزموا بقاعدة سلمية التظاهرة، وقاموا بأعمال عنف أفضت الى إشعال نيران كان الهدف منها حرق مقر السفارة! ذلك على الرغم من أن مقر السفارة لا تفصله سوي أمتار قلائل من مقر وقصر الملكة والمقر الرئيسي للحكومة البريطانية. وبحسب السفير السوداني فى لندن عبد الله الأزرق فإن العملية كان مخططاً لها أن تؤدي الى تدمير مقر السفارة السودانية تدميراً كاملاً، والأسوأ من ذلك أنها كانت مخططة بواسطة منظمة صهيونية معروفة ظلت تقف بإستمرار داعمة لعناصر ما يسمي بالجبهة الثورية التى تضم أشتاتاً من حملة السلاح ذوي التوجهات العنصرية. كان هذا المشهد بكل ما حواه دليلاً كافياً على أن الذين يدّعون معارضة الحكومة السودانية هم ليسوا بساسة ولا حريصين على ممارسة العمل المعارض السلمي، كما أنه كان خير دليل على ان التدابير التى أضطرت لإتخاذها الشرطة السودانية فى الأيام الفائتة ضد بعض الذين أثاروا الشغب -بزعم أنها تظاهرات- هى إجراءات وتدابير صحيحة وليست مطلقاً عمليات قمع أو غمط لحرية التعبير، ذلك أن حرية التعبير هى حرية الحديث باللسان بطريقة سلمية وبعد الحصول على الترخيص والإذن ودون إشعال نيران أو القيام بأعمال عنف وتخريب. فقد أضطرت الشرطة البريطانية – تماماً كما فعلت من قبل الشرطة السودانية – لفضّ التظاهرة وإعتقال بعض المشتبه بهم والتحقيق معهم إذ انّ الأمر لم يكن تظاهراً أو إحتجاجاً بقدر ما كان عملاً تخريبياً مُتعمَّداً ومعد له بعناية، ومثل هذا المشهد الذى نقلته الأقدار كما قلنا الى وسط العاصمة البريطانية هو الذى ظل يتكرر فى بعض أنحاء العاصمة الخرطوم، بدرجات وطرق وأنحاء مختلفة ولكنها جميعها تلتقي عند نقطة واحدة وهى نيّة التخريب وإلحاق الاضرار، خاصة حين يتوسل هؤلاء المتظاهرين بالنيران وإشعال إطارات السيارات وتكثيف خيوط الدخان. والشيء الغريب ان أحداً لم يوجه اللوم –حتى الآن– الى السلطات البريطانية كونها عملت على فضّ أو إن شئنا القول (قمع) التظاهرة اللندنية على الرغم من حصولها على ترخيص وإذن مسبق من شرطة لندن. الفارق الوحيد هنا ان شرطة لندن سارعت بمنح الإذن ولكنها سرعان ما تراجعت عنه بعد ثبوت فوضوية العملية وهمجيتها فى حين أن الشرطة السودانية لا يتقدم لها أحد طالباً الإذن أو حتى الإخطار، وبعد ذلك يقوم المتظاهرون بحصبها بالحجارة ومحاولة إحراق السيارات والممتلكات العامة. تُري هل تجرؤ لندن أو واشنطن أو باريس – بعد هذا المشهد اللندني المخزي – أن توجه لوماً الى الخرطوم؟