لم تعكس الوثيقة التى أطلقت عليها قوى المعارضة السودانية وثيقة البديل الديمقراطي إختلافات القوى المكوِّنة للتحالف وتباعد المواقف والرؤي فيما بينها فحسب، ولكنها عكست أيضاً جملة من المتناقضات السياسية التى يبدو أن من صاغوا الوثيقة قاموا بحشوها حشواً بالإصطلاحات والمفردات اللفظية المتقاطعة سعياً ربما لإرضاء كل الأطراف . ومن الملاحظ فى هذا الصدد - وقبل أن نقلِّب أوجه التناقضات هذه - أن غياب الثقة والهواجس والقلق المتبادل بين القادة شكَّل سمة بارزة فى المشهد كله، حين وُضِع إسم د. الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي فى المؤخرة، ولكن طُلِب منه التوقيع كأول موقع! فالأمر هنا وفقاً لما أفادت به مصادر (من داخل البيت المعارض) يتصل بمخاوف قادة آخرين من أن يطال التعديل والتبديل نصوص الوثيقة، أو أن يمتنع هذا القيادي أو ذاك من الموقعين، بجانب مخاوف راسخة لم تتبدل من جانب غالب قوى المعارضة من ما يمكن أن يجترحه د. الترابي ويقلب به الطاولة فى أىّ لحظة! أما فيما يخص نصوص الوثيقة، فهي دون شك ما جاءت بجديد وحتى ما حاولت (اللعب على نغماته) من مصطلحات سياسية ودستورية فهي جاءت شديدة البؤس بحيث بدت وكأنها لم تُعالَج المعالجة الصياغية المطلوبة فهي جمعت بين التظاهُر السلمي وتغيير النظام والإنتفاضة الشعبية! ومن المعروف أن كل اصطلاح من هذه الاصطلاحات يختلف تماماً عن الآخر وكل اصطلاح له معطياته ووسائله، ولهذا فإن من غير المنطقي أن تتم مطالبة بإسقاط النظام – والإسقاط هنا عمل متعمَّد له أدواته ووسائله – وفى ذات الوقت نفسه يجري الحديث عن تغيير سلمي للسلطة! من المؤكد أن الوثيقة حاولت المواءمة ما بين مواقف البعض داخل التحالف ورؤي البعض الآخر، وهى مواءمة شوَّهت الوثيقة تماماً وجعلت منها مجرد ورقة سياسية أراد بها أصحابها إرضاء بعضهم للظهور بمظهر موحد! فكرة الاسقاط نفسها تتعارض هى الأخري مع عبارة البديل الديمقراطي، فالنظام الحاكم الآن فى السودان – مهما كانت المواقف حياله – هو نظام مُنتخب فى إنتخابات عامة جرت فى العام 2010 تحت رقابة محلية واقليمية ودولية وهو بهذه المثابة نظام قائم فى عمق المسار الديمقراطي ومن ثم لا يستقيم أن يجري إسقاط نظام بهذه الخلفية، والسعي لإيجاد بديل ديمقراطي! الفكرة هنا فى غاية الإضطراب؛ إذ ليس هناك نظام ديمقراطي يتم إسقاطه ويُستبدل بنظام آخر ديمقراطي بعيداً عن الآلية الديمقراطية المعروفة وهى الانتخابات العامة، وإذا كانت قوى المعارضة هذه لا تعرف نتيجة الانتخابات تلك فإن هناك 14 حزباً سياسياً تشارك الآن فى حكومة القاعدة العريضة؛ فهل هذه الأحزاب المشاركة هى الأخري (غير ديمقراطية) وتمارس سلطة شمولية؟ من جانب ثاني فإن التناقض يزداد إحتداماً ما بين البديل الديمقراطي الذى وُضع كعنوان للوثيقة وما بين وضع مقترح إعلان دستوري، لأنّ الاعلان الدستوري –وفق ما هو معروف فى القانون الدستوري، تقوم بوضعه سلطة غير مدنية، لإدارة فترة استثنائية عقب سقوط نظام ديمقراطي. وقوي المعارضة تزعم أنها تستهدف بالوثيقة بديلاً ديمقراطياً، فكيف إتفق الجمع بين البديل الديمقراطي والاعلان الدستوري؟ هنالك دون أدني شك حالة عوار فكرية إنتابت الموقِعين على الوثيقة أضطروا ليجمعوا فيها متناقضات لم يجدوا سبيلاً للتوافق حولها، فقد كانوا فى عجلة من أمرهم ولا غرو فقد أيقنوا –وفق قناعاتهم– أن الثمرة قد نضجت وحانَ أوان قطافها، ولا يريدوا أن يفوتهم العرس الكبير، فأعدّوا الذبائح والحلوي قبل أن يحدِّدوا العروس!