فى الوقت الذى كان فيه كلٌ من المتمرد مالك عقار وياسر عرمان يحلّان ضيوفاً على الحكومة الفرنسية - فى العاصمة الفرنسية باريس- ويطالبانها بالضغط على الخرطوم للتعاون مع المجتمع الدولي بشأن معالجة القضايا الانسانية بجنوب كردفان والنيل الازرق؛ كانت عناصر من الحركة الشعبية تنفذ خطة بالغة الخِسّة لإغتيال رئيس المجلس التشريعي بولاية جنوب كردفان إبراهيم بلندية وعدد من مرافقيه. الحادثة –على بشاعتها وخروجها عن السياق السياسي وإطار تقاليد السودانيين – لم تلقَ إدانة من المجتمع الدولي ولزمت قوى المعارضة السودانية بالداخل الصمت المؤسف حيالها، وهي حادثة نقلت ساحة الصراع فى المنطقة – للأسف الشديد – من سياق صراع عادي بين مكوِّنات متمردة وسلطة مركزية مسئولة عن أمن وإستقرار البلاد، الى صراع ذي طابع شخصي، أقحم مفردة الإغتيالات السياسية بكل ما تحتويه من غلظة وبشاعة الى الساحة السياسية السودانية. والأسوأ أن الأيدي التى إمتدت لتنفيذ هذا العمل، لم تكن أيدي سودانية خالصة، فالبصمات الأجنبية ظاهرة بحيث لا تحتاج لخبراء بصمات ومعامل للتعرُّف عليها. وهى على أية حالة تطورات إن كان لها من جوانب إيجابية فهي زادت من نسبة الوعي لدي العديد من مواطني جنوب كردفان والنيل الازرق بشأن مسلك الذين يحملون السلاح هناك ويزعمون أنهم يقاتلون من أجلهم، فقد ثبت ان الهدف هو إراقة الدماء وتوسيع نطاق الصراع ليكون شاملاً لكافة المستويات والاصعدة. ولعل هذه الحادثة الغريبة عن تقاليد السودانيين أربكت ولو قليلاً المسئولين الفرنسيين الذين جلسوا الى عرمان وعقار فى العاصمة باريس قبل يومين منها، ففي حين كان عقار وعرمان ويتحدثان عن الاوضاع الانسانية والحرب وتداعياتها، كانت خطط الاغتيال تُرسَم وتُطبق لتثبت أنَّ الذين يعملون على تعميق الأزمة هناك هم من يجلسون الى طاولة المسئولين الفرنسيين. ويمكن القول إن الحادثة نهضت دليلاً – لم يكن ينتظره أحد – على أن ما يجري فى جنوب كردفان على وجه الخصوص هى حرب لم تبتدرها الحكومة السودانية وأن الحديث عن سوء الاوضاع الانسانية مبعثه السعي للضغط على الحكومة السودانية على غرار ما جري من قبل فى دارفور لإيجاد وسيلة للتدخل الدولي، ولكن حادثة الإغتيال أربكت الحسابات وأثارت الغبار! وقد كان أمراً مستغرباً، أن تستجيب باريس لمطالب المتمردَين عقار وعرمان بشأن الوضع الانساني وهى تعلم أن الحكومة السودانية كانت قد فرغت للتوّ من الموافقة على المبادرة الثلاثية التى قدمتها الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية لمعالجة الاوضاع الانسانية فى المنطقة، وهى مبادرة تضم أهمّ ثلاثة منظمات إقليمية ودولية لها إدراك تام بطبيعة الاوضاع ولديها القدرة على معالجتها بالمشاركة مع الحكومة السودانية. إن أحداً لا يساوره أدني شك ان العملية برمتها كانت عملية سياسية تمويهية، ومن المؤسف هاهنا أن الحكومة الفرنسية الجديدة التى لا تزال (ناعمة الأظافر) وقبل أن تتلمس طريقها جيداً فيما هو حولها، إنجرَّت لذات الطريق الذى سبق وأن سلكته سابقتها فى عهد ساركوزي لتجد نفسها فى هذه الورطة التى جعلت منها (غطاءً سياسياً) لعملية إغتيال من شأنها أن تجعل من طبيعة الصراع الدائر فى المنطقة صراعاً أكثر حدة ونتائجاً كارثية!