أقرَّ نائب رئيس الحكومة الجنوبية الدكتور رياك مشار أن بلاده -وبعد مرور عام على إنفصالها عن السودان- لم تحقق شيئاً. وقال مشار (لم نلبِ تطلعات شعبنا خلال العام المنصرم بسبب الصعوبات غير المتوقعة التى واجهناها). ولم يكتفِ نائب الرئيس الجنوبي بالإعتراف بفشل العام الاول ولكنه أعرب عن خشيته أيضاً من أن يلازمهم الفشل العام التالي. وما من شك أن ما أقرَّ به د. رياك مشار هو فى الواقع لا يتجاوز كونه مجرد تحصيل حاصل، فالحقائق على الأرض هناك فى الدولة الجنوبية الوليدة من الوضوح بحيث يتعذر تماماً على قادة الدولة الجنوبية مداراتها أو محاولة تجميلها، ولعل الأكثر مدعاة حقاً للملاحظة هنا، أن نائب الرئيس الجنوبي تحاشي إيضاح تلك الصعوبات التى أشار اليها والتى وصفها بأنها غير متوقعة. وقد كان حرياً بالرجل أن يتطرق إليها بالتفصيل لكونها تضيئ للمراقبين مواطن الزلل والأخطاء التى وقعت فيها جوبا وكان محتّماً أن يكون حصادها السنوي الأول هشيماً. وإذا أردنا الدقة والإنصاف، فإن الدولة الجنوبية لم تواجه صعوبات غير متوقعة. لقد واجهت صعوبات صُمِّمَت من قبل بعناية؛ إذ كيف يمكن إعتبار قرار الحكومة الجنوبية الغريب بوقف ضخ النفط صعوبات غير متوقعة؟ لقد رسم هذا القرار -وحده- مستقبلاً قاتماً لطبيعة نشوء الدولة الوليدة كونها تعتمد على النفط وحده كمورد أساسي بنسبة تصل الى 98% ولطبيعة العلاقات بين الدولتين السودانية والجنوبية، إذ من المعروف إن أكثر ما عمل على تعقيد العلاقة بين الدولتين، هو هذا القرار الخاطئ والذى لم يجد قبولاً حتى من أصدقاء جوبا المقربين؛ بل لم تُعرف له أدني حكمة، وكان واضحاً لكل المراقبين أن جوبا بهذا القرار بدت وكأنها إما أنها تسعي لإسقاط الحكومة السودانية عبر خلق أزمة اقتصادية -وهو ما فشلت فيه تماماً- أو أنها تنتظر رضوخ الخرطوم رضوخاً تاماً لمطلبها الخاص بسعر نقل النفط. وكما هو واضح فإن الأمرين بعيدين كل البُعد عن الواقع وهناك إستحالة تامة فى تحقق أىٍّ منهما. ولهذا ومن هنا بالتحديد يتضح أن القرار لم يكن سياسياً بحال من الأحوال فهو فارغ من الأهداف الاستراتيجية وليس له أبعاد تفيد الدولة الجنوبية. من جانب ثاني، هل يمكن أن يُعتبر تعنُّت الجانب الجنوبي فى حلحلة الملف الأمني المتمثل فى الدعم المباشر المتواصل للحكومة الجنوبية لمتمردين ينشطون ضد الحكومة السودانية من قبيل الصعوبات غير المتوقعة؟ هل من المنطق أن تكون جوبا (غير متوقعة) لنتائج سلوكها العدواني ضد الخرطوم بالسعي لزعزعة أمن وإستقرار السودان، وهل من المنطقي أن يدع السودان جوبا وشأنها وهي تحتل هجليج، وتعبث فى جنوب كردفان والنيل الازرق؟ هل كان الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت وهو يذكر منسوبي الحركة فى جنوب كردفان والنيل الازرق -ظهيرة الاحتفال بتدشين الدولة الجنوبية فى جوبا- بأنَّ جوبا لن تنساهم أبداً (غير متوقع) للصعوبات التى من شأنها أن تنجم عن وعده هذا؟ كيف يعد رئيس دولة فى طور التدشين مواطنين داخل دولة أخري بدعمهم ومساعدتهم، ثم يكون ما ينتج عن ذلك من قبيل الصعوبات غير المتوقعة؟ من جانب ثالث هل كان عبث القادة الجنوبيين بالمال الجنوبي وتعبئة حساباتهم فى الخارج بهذا المال وفشل الرئيس سلفا كير فى إسترداده من قبيل الصعوبات غير المتوقعة؟ من الواضح أن نائب الرئيس الجنوبي كان يحاول أن يتلمَّس الأعذار لفشل حكومته ولكنه هو نفسه جاء بمبررات غير متوقعة!