الخصومة السياسية – كما يَعرِفها السودانيون – خصومة شريفة تمضي فى مضمار السجال السياسي الفسيح الى أبعد مدي وأقصي نقطة، ولكنها لا تتخذ من الرصاص الغادر الذى يُطلق من الزوايا البعيدة المظلمة وسيلة للإنتصار السياسي. لا يعرف الساسة السودانيين فى قاموسهم السياسي كلمة إغتيال، مهما كانت حدة ودرجة الخصومة، ولا يملكون ميداناً يمارسون فيه الرماية السياسية بالذخيرة الحية! الحركة الشعبية وكما ثبت جلياً، هى من أدخلت حديثاً جداً هذا الأسلوب (غير السوداني) الخالي من الفروسية وقواعد الصراع. إذ أنه وحتى على مستوي الثقافة المحلية فى مناطق جبال النوبة التى عرفت رياضة المصارعة كإحدي أبرز وأهمّ فنون الفروسية والقتال، فإن للصراع والمصارعة قواعد وتقاليد أهمّها على الاطلاق عدم الغدر بالخصم، وعدم إستغلال غفلته وطعنه من الخلف لتسجيل إنتصار عليه، ولهذا فإن الإمتصاص الواسع والغضب الذى تفجّر كالبركان فى صدور أبناء ولاية جنوب كردفان جرّاء حادثة إغتيال رئيس برلمان الولاية ابراهيم بلندية و 7 من رفاقه، إنما جاء كنتيجة عكسية تماماً لما قدَّرته الحركة الشعبية وإعتقدت أنه يحقق لها مزية ويرفعها درجة! الجميع أيقن أن حشر هذه الثقافة الوافدة فى ميدان التباري السياسي خطر داهم على سلامة الملعب وسلامة اللاعبين ومستقبل العمل السياسي ككل. والواقع إن عملية الاغتيال فى حد ذاتها، وبالقدر العالي من الخسة والجبن السياسي الذى إتسمت به ليست جديدة، هى مجرد حلقة فى مسلسل مطول بدأته الحركة الشعبية حين عجزت عن المساجلة والتعامل بندِّية مع الخصوم قريبين منها كانوا أو بعيدين. والشيء الملفت للنظر فى هذا الصدد - وهو ما أثار بحق كوامن قادة جبال النوبة وأبناء جنوب كردفان على السواء - أن الحركة الشعبية تستهدف الجميع، فهي حاولت عدة مرات إغتيال الوالي أحمد هارون. نصبت له أكثر من كمين ووجّهت إليه أكثر من قذيفة ورصاصات. كما أنها نجحت فى إغتيال إثنين من قادة حزب الأمة وشئون الأنصار قبل نحوٍ من عامين، عبد الرحمن أبو البشر وحمدان بولاد، ثم إستهدفت القيادي حاج ماجد سوار حين كان وزيراً للشباب قبل أشهر ولكنه نجا. وحتى الجماعات السلفية الدينية لم تسلم من رصاص الحركة، فقد إستهدفت أمين عام الجماعة السنية (يحي ربوكا). وفى حزب العدالة الذى ينتمي زعيمه الاستاذ مكي بلايل لجبال النوبة كان بلايل قبل أشهر هو الآخر هدفاً لرصاصاتها، ولم يكن ذنبه -كما قال حينها- سوي أنه ناقد لمسلكها الحربي العدواني الذى ألحق أضراراً بالمنطقة. وهكذا، فإن الحركة لا تستثني أحداً، إذ أنه وحتى اللذين ينتمون اليها وحاربوا لعقود فى صفوفها أمثال اللواء تلفون كوكو ورفاقه الاربعة، يقبعون الآن ومنذ أكثر من أربع أعوام فى سجونها المجهولة فى جوبا. بل إن الأكثر غرابة أن بلندية ورفاقه – لسخريات القدر ومفارقاته – لديهم أقرباء ينتمون للحركة الشعبية، بل من كبار قادتها، الأمر الذى يعده المراقبون بمثابة إشعال نيران فى البيت الواحد وداخل الغرفة الواحدة وسعياً وراء الفتنة السياسية الممزوجة بالغلّ والحقد الأسود. وبالطبع لا يدري أحد حتى الآن ما هي الفائدة التى يمكن أن تُجني من عمليات الإغتيال والتصفية السياسية هذه، فهي على العكس تماماً أوجدت شعوراً سياسياً متنامياً لدي أهل المنطقة وقادتها بضرورة العمل على عزل الحركة محاصرتها والوقوف فى وجهها، فإن لم يكن لتهديدها الواضح لأمن وإستقرار المنطقة فعلي الاقل تحت راية الدفاع عن كيان المنطقة وتخليصه من العبث وتقطيع نسيج أهل المنطقة. وقمين بمن لديهم إرتباط مؤسف ومشين بالحركة الشعبية والذين إنخرطوا فى ما يسمي بالجبهة الثورية من الأحزاب السودانية السياسية أمثال الشعبي والشيوعي وغيرهم أن يحترسوا وأن يراجعوا مواقفهم، فالرصاص المختبئ فى آخر الزاوية ومن خلف حواف الجبال لا يستثني أحداً!