ضعف قوى المعارضة السودانية وعجزها غير المُختلف عليه هو الذى ظل يحشرها بإستمرار فى نفق مظلم بالغ الضيق ما برحت تُدخِل فيه نفسها بنفسها فيزداد ضيقاً عليها. آخر مواقف المعارضة (النظرية) هو وضعها لسيناريوهات ثلاث قالت إن السودان مقبل عليها فى المرحلة القادمة. السيناريوهات الثلاثة تراوحت ما بين وصول الجبهة الثورية الى الخرطوم! وهذا أطيب طعام سياسي تشتهيه قوى المعارضة وهى تئن من الجوع ووحشة الليل الطويل؛ وما بين تغيير يقوده تيار داخل الوطني عبر انقلاب عسكري، أو حدوث إنتفاضة شعبية! من الملاحظ بدءاً أن السيناريوهات الثلاثة تشترك جميعها فى أن قوى المعارضة تتمناها وتنتظرها ولكن لا مجال لها فى المشاركة فيها، وهو أول ما يكشف عن أدني درجات ضعفها ولجوئها فقط الى الأحلام السياسية المجانية. ومع أن الأمر ربما لا يستحق عناء التحليل والتمحيص فى ثنايا هذه السيناريوهات إلاّ أننا لا نري بأساً فى المرور عليها تباعاً لنقف على إمكانية تحققها! ففيما يخص ما يسمي بالجبهة الثورية وإمكانية وصولها الى الخرطوم؛ فإن السؤال الذى يطل هاهنا بقوة هو ما الذى أخّر ما يسمي بالثورية –كل هذا الوقت– وحالَ بينها وبين الوصول؟ ذلك أن ما يسمي بالثورية مكوَّنة من فصائل مسلحة عديدة ولا ينقصها المال والسلاح. لماذا إذن لم تتقدم بإتجاه الخرطوم تحقيقاً لحلم المعارضة؟ من الواضح أن قوى المعارضة نفسها التى فيما بينها ركنت الى أحلام اليقظة والتى تحتمل أىِّ قدر من المبالغة والشطط لا تعرف شيئاً عن طبيعة ما يسمي بالجبهة الثورية. ويكفي أن نشير هنا – للفائدة العامة – أن ما يسمي بالثورية لم تستطع حتى الآن أن تتقدم نحو مدينة سودانية واحدة مهمّة أو غير مهمة على أطراف السودان وليس فى عمقه ووسطه. والأمر هنا متعلِّق بضعف البنية التحتية والتنظيم وتنافر الأحوال، وتباعد الرؤي والمواقف. ليس من المنظور بحال من الأحوال أن يجتمع أشتات من حركات متمردة ليقرِّروا إسقاط نظام حكم منتخب عبر عمل عسكري شاق يتطلب خطوط إمداد طويلة للغاية وقدرة على إحتلال مدن وتأمينها تأميناً تاماً. كما ليس من المنظور – وفق الرؤي الإستراتيجية المعروفة – أن تتمكن أشتات متمردة من كسر نواة جيش نظامي مؤمَّن الظهر مسنود شعبياً، ومشبَّع بعقيدة قتالية بالغة القوة والمتانة. هذا بخلاف تجارب سابقة منذ عقود فشلت فيها كل القوى المعارضة السودانية -مستعينة بعناصر أجنبية- فى المساس بسياج الأمن القومي السوداني وتسلُّق السلك الشائك للعاصمة الخرطوم. إستعصت الخرطوم تماماً على أىّ مغامر يظن أنها نزهة سهلة، وكلنا يعرف أن الحركة الشعبية أيام قتالها ضد المركز إستبعدت إستراتيجياً وتكتيكياً العاصمة الخرطوم من أىّ محاولة مهما كانت مضمونة ومؤسسة على خطة ذكية، ولم تفكر فى أمرٍ كهذا مطلقاً. وكلنا يعرف كيف دقَّ خليل إبرهيم أول مسمار فى نعشه السياسي والشخصي حين غامر بمهاجمة الخرطوم وإضطر لدفع أفدح ثمن إنتهي بدفع حياته. الفكرة لا ترقي للمراجعة والنظر، ومع ذلك أوردنا جانباً منها هنا لمن يجهلون حقائق الواقع. أما فرضية الانقلاب العسكري (من داخل الحزب الوطني) فهذه فى أحسن الفروض فرضية مضحكة للغاية، على الاقل فى ناحية كونها لا تخدم قوى المعارضة فى شيء، أللهم إلاّ إن كان قادة القوى المعارضة يلمِّحون الى أنهم يملكون (فرعاً خاصاً بهم) داخل المؤتمر الوطني سيعمل لصالحهم فى اللحظة المناسبة! أما السيناريو الثالث الخاص بالانتفاضة الشعبية فنحن لا ندري هل ستكون إنتفاضة محمية بالسلاح كأمر شبيه بما يسمي ب(البيوت المحمية) التى عرفتها علوم الزراعة الحديثة، أم أنها مجرد إنتفاضة شعبية (غير محمية) يقطف المعارضون ثمارها وحدهم بعد أن يتمكن الشعب السوداني – تطييباً لخاطر المعارضة – من إنتزاع الحكم من السلطة الحاكمة وتسليمها لهم! إن من المؤكد أن قوى المعارضة لم تعد تملك ما تفعله سوي كتابة السيناريوهات، وإنتظار تحقُّقها على الأرض!