من واقع مساجلات سياسية عديدة ظلت تجري طوال الأشهر الماضية بين القوى المعارضة والحكومة السودانية، لم يعد هنالك من شك أن قوى المعارضة السودانية خسرت معركتها، بل حربها الطويلة الشاقة ضد الحكومة السودانية. وقبل أن نمضي فى استعراض مختلف جوانب هذه الخسارة فإن أبلغ دليل على أن قوى المعارضة خسرت الحرب ولم تعد تشكل هاجساً للوطني، أنها باتت فقط تعول على سقوط الحكومة السودانية بأيّ متغير من المتغيرات أو عارض من العوارض. ونلاحظ هنا أن قوى المعارضة وجدت نفسها فى مأزق سياسي كبير حين تمنت تغيير الحكومة السودانية عبر انقلاب عسكري من داخلها - مثل المحاولة الفاشلة موضع التحقق حالياً - ولكنها، أي المعارضة، عادت لتنفي نفياً تاماً أنها كانت تراهن على الانقلاب لأنها وكما قالت مضطرة ومجبرة - لا يمكن أن تؤيد تغييراً عبر انقلاب! والواقع أن المعارضة فطنت مؤخراً جداً وبعد فوات الأوان أنها لا تؤيد انقلاباً عسكرياً مهما كان، يسهِّل لها إسقاط خصمها الوطني ولو قالت غير ذلك، لقضى ذلك على ما تبقى من مصداقيتها السياسية. ولهذا تلاحظ أن حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي وحين حاصره الدكتور نافع مساعد الرئيس السوداني بمعرفته المسبقة (السرية طبعاً) بكافة تفاصيل العملية الانقلابية حتى ساعة الصفر، لم يجد سوى النفي والتلويح بالمقاضاة بما عزز الفرضية بعمق، وأدخل الحزب فى مأزق تاريخي ما يزال أسيراً له، هو يدعي الديمقراطية ولكنه لا يتوانى عن السير فى ركاب الانقلابات طالما أنها تعيده الى السلطة! إذن قوى المعارضة السودانية تجاوزت محطة إسقاط الحكومة السودانية وصار كل أملها أن يتسبّب أي ظرف أو معطى سياسي من أي جهة في إسقاط الحكومة السودانية. هذا الموقف ينم عن درجة أبعد من مجرد الضعف وعدم القدرة، فهو يشير الى أن قوى المعارضة فوضت أمرها الى الظروف، فهي عملياً غير قادرة على إسقاط الحكومة السودانية سلمياً عن طريق انتفاضة شعبية، فقد حاولت مراراً – ربما أكثر من عشرة مرات – الخروج الى الشارع ولكنها فشلت، كما أنها أضاعت مسبقاً سانحة الانتخابات العامة التى جرت فى ابريل 2010 وتردّدت ثم خاضتها لتحصد هشيماً، لتعود وتزعم أن الوطني مارس تزويراً! وحين سُئلت عن أي واقعة تزوير – ولو واحدة – تحاجج بها، لم تستطع إثبات واقعة واحدة، واضطر الشعبي ممثلاً فى مسئوله السياسي كمال عمر لرد الأمر الى ما أسماه (سحراً) مارسه الوطني نال به ثقة الناخبين عبر صناديق الاقتراع! قوى المعارضة جربت أيضاً -وربما لا تزال تجرب- التحالف (الخفيّ) مع الحركات المسلحة مثلما هو الحال مع ما يسمى بالجبهة الثورية والحركات الدارفورية المسلحة، ولكن ثبت أن هذه الحركات هي نفسها وفضلاً عن ضعفها وحالتها المتردية، غير راضية عن قيادة حركة تغيير صعبة أو مستحيلة لصالح قوى سياسية معارضة تستلقي على خمائل ووسادات دافئة فى عمق الخرطوم، لا تفعل شيئاً سوى إلقاء الأحاديث فى انتظار المواقف العنترية غير المجدية. لم يتبق شيء إذن لهذه القوى، فهي الآن فى انتظار المعجزات ولهذا كان الدكتور نافع محقاً فى تشخيصه السياسي لحالة المعارضة السودانية فى حديثه المطول لبرنامج (فى الواجهة) بتلفزيون السودان الأسبوع الماضي، حين قال أن قوى المعارضة لا تقبل أي اتفاق مع الحكومة السودانية لا يحقق لها رغباتها الخاصة فى الوصول الى السلطة. هكذا بدون جهداً ودون وعي ودون تضحيات أو حتى رؤى مفيدة للإصلاح الوطني. أزمة المعارضة بهذه المثابة هي دون شك تلقي بآثار سالبة على مجمل الحراك السياسي السوداني، فهي طاقات سياسية مهما قلنا عنها وعن تأهيلها واختلال وطنية بعضها، إلا أنها كانت من المؤمل أن تكون إضافة للساحة السياسية وليس خصماً عليها. وهي أيضاً تاريخ من التاريخ السياسي – بخيره وشره – الذى شهده السودان طوال النصف قرن الماضي، لهذا وعلى العكس مما يعتقد البعض فإن الوطني يبدو غير راضٍ عن ضعف قوى المعارضة وفى الوقت نفسه غير راض عن تخلفها عن المسيرة السياسية السودانية. إذن خسرت هذه القوى حربها ضد الوطني، وللأسف الشديد كان من الممكن أن يكون هذا الخسران بأيدي وأدوات نظيفة ولكن هذا لم يحدث فنحن حيال قوى سياسية فعلت كل شيء، خرجت الى الخارج وأخذت أموالاً من الأجانب واشترت السلاح، وعقدت صفقات، وارتباطات بآخرين، ثم عادت الى الداخل دون أن يكون لها دور وحراك وطني لصالح الوطن. أتيحت لها فرصة المشاركة فى حكومة قاعدة عريضة فرفضتها مع أنها سانحة نادرة. عرضت عليها المشاركة فى صياغة الدستور فرفضت، مع أنه عمل وطني لصالح الوطن. عقدت معها اتفاقات لو صبرت عليها وثابرت لجنت منها الكثير حاضراً ومستقبلاً ولكنها لفظتها. فتح لها الباب فى الانتخابات العامة (2010 ) ولكنها أغلقته بحسابات خاطئة. الآن ينتظرها تحدي الانتخابات المقبلة 2014 وهي لم تعد وتستعد ولن تستعد طالما أنها مهمومة بالمعجزات فى زمن لا مكان فيه للمعجزات السياسية.