أكدت الحكومة السودانية أنها متمسكة بضرورة حسم الملف الأمني قبل الخوض فى أىّ موضوعات خلافية أخري بينها وبين الحكومة الجنوبية، وقال وزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي فى تصريحات صحفية عقب عودة وفد السودان المشارك فى القمة الإفريقية التاسعة عشر (الإثنين الماضي) إنه لا صحة البتة لما راج من عقد إتفاق بين الدولتين بشأن الملف النفطي يتم بموجبه نقله على الأراضي السودانية بواقع 8 دولارات للبرميل. ووصف الوزير السوداني ما أُشيع بهذا الصدد بأنه لا يعدو أن يكون ضرباً من الخيال. كرتي قال أن اللقاء الذي جمع بين الرئيسين البشير وسلفا كير كان فى مجمله تأكيداً للثقة ومحاولة لفتح طريق أكثر إتساعاً وسلاسة للمتفاوضين لطيّ ملفات التفاوض بسرعة أكبر. وقطع كرتي بأن الرئيس السوداني المشير البشير شدّد فى اللقاء وعلى نحوٍ واضح على أولوية الملف الأمني فى التفاوض على ما عداه من ملفات. وفى العاصمة السودانية الخرطوم قالت مصادر دبلوماسية تحدثت ل(سودان سفاري) هاتفياً إن لقاء الرئيسين حفل بمناقشة القضايا الرئيسية المهمّة فى علاقات الدولتين ولكنه لم يخُض مطلقاً فى التفاصيل؛ وأضافت المصادر بأن أكبر دليل على عدم صحة أىّ تكهنات راجت بهذا الصدد، أن الأعراف والتقاليد المتعارف عليها فى العلاقات الدولية، أن لقاءات القمة فى العادة تقتصر على أحد إحتمالين لا ثالث لهما، فإما أن تكون مسهِّلة فاتحة لسُبل ومنافذ المفاوضات، بحيث يسهم التفاهم وتبادل المواقف الاستراتيجية فى دفع العملية التفاوضية؛ وإمّا أن تأتي لاحقةً لعملية تفاوضية قامت لجان التفاوض المشتركة بمناقشة موضوعات التفاوض بإستفاضة وقتلت القضايا بحثاً فتكون القمة بغرض (وضع اللمسات الأخيرة) وإمضاء ما إتفقت عليه اللجان المشتركة. ولقاء القمة الأخير بين البشير وكير لم يكن سوي الإفتراض الاول، وهو ترسيخ الثقة وتسهيل مهمّة المتفاوضين وفتح منافذ للعملية التفاوضية، ولهذا فإن من المستحيل تماماً أن تجري نقاشات فى لقاء كهذا تتعرّض للتفاصيل وتقفز قفزاً فوق أعمال اللجان التفاوضية المشتركة، فلو كان الأمر كذلك ولو كان بوسع الرؤساء حسم القضايا الخلافية على هذا النحو، وبهذه السرعة والعجلة الشديدة، فلماذا كان الداعي إذن منذ البداية لتكوين وفود تفاوضية وإيجاد وسيط مشترك وأجندة تفاوض وجولات متكررة؟ إن القمم الرئاسية بحسب المصادر لا تحل الخلافات وليس من إختصاصها بحث أدق تفاصيل الخلافات، فالدول تتعامل عبر مؤسسات ووثائق وأوراق تمرّ عبر قنوات ولا تتعامل على هذا النحو! وعلى أية حال فإن الأمر بدا وكأنّه نزوع إعلامي من قِبل بعض أجهزة الاعلام العالمية لتصوير لقاء البشير وكير وكأنّه كان معداً سلفاً لطيّ خلاف الدولتين -بضربة واحدة- وهو أمر نابع من إعتقاد شائع بأن الدول الافريقية ودول ما يسمي بالعالم الثالث تحلحل خلافاتها بآلية واحدة فقط وهي لقاءات القمة. غير أن أكثر ما قد يبعث على التفاؤل بهذا الصدد ولعل هذا هو بالضبط ما رفع من وتيرة التكهنات التصريحات (الناعمة الملمس) التى أطلقها رئيس الوفد التفاوضي الجنوبي باقان أموم والتى أعرب فيها بقدر كبير من التفاؤل عن إمكانية إحداث إختراق فى مسارات التفاوض وعن إحتمال إعادة ضخ النفط قريباً بعد أن يتم حسم هذه النقطة فى الجولة الحالية. حديث باقان، مقروءاً مع لقاء القمة، وفى ظل شح الأنباء عن كل تفاصيل ما دار فى القمة بين الرئيسين، هى التى روّجت لقصة الثمانية دولارات!