لو أننا سايرنا المنطق الجنوبي- علي علاّته – بوجود مشاكل أمنية علي حدود البلدين في مقدمتها مزاعم القصف الجوي التي تهتم فيها جوباالخرطوم بقيامها بعمليات القصف هذه مما قادر الي تعليق المفاوضات المباشرة بين الجانبين – لو أننا سايرنا هذا المنطق فإن أقرب نتيجة يمكننا استخلاصها في هذا الصدد أن من الضروري أذن والحال كهذه- وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات من عدمها – أن ينال الملف الأمني بين الدولتين قصب السبق والأولوية القصوى علي ما عداه من ملفات. ففي كل النزاعات التي تجري بين أي دولتين يكون لعنصر الأمن الأولوية القصوى لأنه في الناحية العملية يهدد ليس فقط استمرار المفاوضات السلمية ولكنه يهدد أي نتائج يمكن التوصل إليها علي أي صعيد كان إذ بغير حلحلة القضايا الأمنية وحلحلة المشاكل علي الحدود وإيجاد أدني حد من الاستقرار هناك فإن من المستحيل تحقيق أي تقدم علي أي ملف من الملفات التي تجري مناقشتها. وكلنا يعلم أن اتفاقية نيفاشا 2005 نفسها لم تتيح وتحرز تقدماً بين الطرفين الاّ حين جري التوصل للترتيبات الأمنية التي كان في مقدمتها وقف الحرب والعدائيات وتسوية قضايا القوات وتحديد أماكن تمركزها وإعادة انتشارها والشروع في نزع الألغام وبسط الأمن بين الجانبين هذه قضية بديهية ما من عاقل يمكنه أن يعتقد بإمكانية إيجاد حل لها الآ بعكوف الطرفين عبر المفاوضات في وضع حلول لها قبل مناقشة أي أجندة أخري لهما كانت أهميها. ولعل من المستغرب في هذا الصدد ان جوبا شديدة التوق والتلهف لحل قضية تصدير النفط فهي تعلم المخاطر الجسمية التي ستلحق بها ان لم تحسم هذا الملف بأسرع ما يمكن وقد رأينا كيف حرصت علي عقد لقاء قمة بين الرئيسين البشير وسلفاكير علي هامش قمة الاتحاد الإفريقي رقم (19) التي انعقدت منتصف هذا الشهر في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وكل هدفها أن ينجح الرئيسان في طي ملف الخلاف النفطي للدرجة التي أشاعت فيها جوبا توصل الرئيسين الي سعر توفيقي لتصدير النفط في حدود (8) دولارات للبرميل الواحد. كل ذلك كان سعياً من جوبا – وقد بدأت تعاني حقيقة من آثار وقف ضخ النفط – لطي هذا الملف الشائك، فلماذا أذن تتجاهل جوبا الملف الأمني مع أنه حتي بمنطقها المعوج هذا في حاجة إليه؟ ان الراجح أم الموقف التفاوضي الجنوبي قائم علي فرضية غير ممكنة التحقيق، فهي تريد حلاً نفطياً مريحاً ومربحاً لها، وفي الوقت نفسه لا تريد حلاً للإشكال الأمني، إذ أنها تريد أن تظل داعمة للمجموعات المسلحة التي توفر لها منصة الانطلاق والدعم اللوجستي سعياً لإرباك الخرطوم وأضعافها. باختصار جوبا تريد إعادة عقارب الساعة – لعام كامل – الي الوراء بحيث يتدفق نفطها عبر الموانئ التصديرية السودانية بسعر بخس وفي الوقت ذاته يستمر تدفق دعمها للأعمال المسلحة ضد الخرطوم ليشكل ذلك ورقة ضغط تستفيد منها في علاقاتها الثنائية مع الخرطوم لأغراض الوجود الفعلي المؤثر علي الساحة السياسية السودانية. وهي معادلة كما هو واضح لا تخلو من سذاجة سياسية وسطحية وهي بهذا لن تستطيع أن تحقق شيئاً لا علي المدى القريب ولا تلي المدى البعيد مهما برعت في تكتيكها، ذلك أن مجلس الأمن الدولي حتي ولو مارس انحيازه السافر حين تنقضي المدة التي حددها في الثاني من أغسطس المقبل في ظل غياب أي حل بين الدولتين فهو لا يستطيع عملياً فرض حلولاً من جانبه يلزم بها الطرفين، وحتي لو فعل – مع صعوبة واستحالة ذلك – فهو لا يمكنه أن ينفذ قراره علي الأرض!