في الوقت الذي أعلن فيه الوفد الجنوبي لمفاوضات القضايا العالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان الجارية في أثيوبيا تعليق التفاوض جراء ما وصفها بأعمال قصف جوي تام قام بها السودان مستهدفاً مناطقاً داخل حدود الدولة الجنوبية ، نفت الحكومة السودانية من جانبها قيامها بأي قصف داخل العمق الجنوبي وابلغ رئيس اللجنة الأمنية والسياسية ووزير الدفاع السوداني الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وفد الوساطة بان الجيش السوداني لم يعم بأي عمليات داخل حدود الدولة الجنوبية وان كل والذي حدث أن الجيش السوداني تصدي لمجموعات ن حركة العدل والمساواة داخل حدود وأراضي الدولة السودانية شمال حدود 1956 وعلي وجه الخصوص بحسب الفريق حسين في منطقة بحر العرب. من جانبها قالت الوساطة الإفريقية الرفيعة أنها تبذل جهوداً حيثية للحيلولة دون انهيار المفاوضات، مما لاشك فيه في هذا الصدد أن الموقف الجنوبي يجئ متسقاً مع التكتيك الذي ظلت تواظب عليه جوبا منذ بداية المفاوضات قبل ما يجاوز العام من الآن، ولهذا لا يعتبر هذا الموقف من جانب جوبا مثيراً للدهشة أو الاستغراب فهي درجت علي عرقلة العملية التفاوضية بشتي السبل وظلت علي الدوام تتهم الخرطوم بما يسمي بعمليات القصف الجوي المزعومة وكل ما تهدف إليه جوبا من هذا التكتيك هو أن تنهار المفاوضات لإفساح المجال لمجلس الأمن الدولي وفق ما حدده من قيد زمني في صلب القرار(2046) والذي ينقضي في الثاني من أغسطس المقبل أي بعد نحو من أسبوع واحد من الآن. جوبا تراهن بشكل ثابت علي أن يأتي الحل مفروضاً من مجلس الأمن غير أننا هنا لابد أن نضع الاتهامات الجنوبية الأخيرة في ميزان سياسي وامني دقيق، فهل بالفعل قصف الخرطوم أهدافاً داخل أراضي وحدود الدولة الجنوبية؟ بدءاً لم تشر جوبا لا صراحة ولا ضمناً في اتهاماتها الي المنطقة التي تعرضت للقصف السوداني وهذه مهمة، إذ أن من الضروري ولوضع حد للمغالطات أن يتم تحديد المنطقة التي تعرضت للقصف السوداني المدعي به ذلك أن اتهام خطير كهذا يستلزم تحديداً دقيقاً وتعضيلياً للمنطقة التي يزعم أنها تعرضت للقصف حيث لا يكفي إلقاء الاتهام علي عواهنة هكذا. من جانب ثانٍ وهذه في الواقع هي النقطة الخطيرة التي تعبث بها جوبا فإن أحداً لا يسأ ل نفسه السؤال المنطقي الضروري وهو ما الذي يجعل الجيش السوداني يتصدي لمجموعات مسلحة في أرضه إذا لم تكن هذه المجموعات المسلحة عابرة للحدود وقادمة من اتجاه الجنوب باتجاه الأراضي السودانية؟ فالجيش السوداني ليس في (حالة حرب) فعلية ضد دولة الجنوب وليست لديه بالتالي أية مصالح في شن هجمات وإصابة أهداف جنوبية ، المنطق يرفض مسلكاً كهذا والواقع علي الأرض يكذب أي حديث في هذا الإطار كما انه وعلي فرض حدوث ذلك ولنفترض ذلك جدلاً فأن من المستحيل تماماً ان يقف الجيش الشعبي مكتوف اليدين يتلقي الهجمات وعمليات القصف باريحية وطيب خاطر. ولعل ابلغ دليل علي أن الجيش السوداني كان يتصدي لمجموعات من حركة العدل والمساواة المدعومة مباشرة من جوبا انه وحال مهاجمته لها عبرت عائدة الي العمق الجنوبي، مما يشير الي أنها تتخذ من دولة الجنوب مرتكزاً ومنصة انطلاق فلماذا أذن يتجاوز المجتمع الدولي حقيقة أن جوبا تدعم علناً مسلحين ينشطون ضد الخرطوم ويركز علي قيام الخرطوم بعمليات قصف داخل أراضي دولة الجنوب؟ المعادلة بهذه المثابة مقلوبة تماماً وفي الغالب فإن جوبا تود المداراه علي ما تفعله وفي الوقت نفسه تراهن علي فشل عملية التفاوض بحثاً عن وسائل حل أخري والغريب أن جوبا كانت قبل أيام وحال انعقاد القمة الرئاسية بين الرئيس البشير والرئيس سلفاكير تتطلع الي حلحلة القضايا المنعقدة ولكن يبدو ان القمة لم تكن سوي (قناع) سياسي كانت جوبا تستبطن من ورائه تكتيك عرقلة المفاوضات بأي ذريعة وبأي أسباب مهما بدت غير منطقيه وغير عملية!!