من الصعب تماماً إستبعاد العامل الأمريكي فى تسريع حل النزاع النفطي الشائك بين جوباوالخرطوم، وإذا جاز لنا رد كل عناصر الإتفاق وإنهاء الأزمة الى العامل الامريكي والزيارة التى يصعب الاستهانة بها لوزيرة الخارجية الأمريكية الى جوبا بالتزامن مع المفاوضات، فإن من المستحيل أيضاً إستبعاد حجم الضغوط التى مارستها واشنطن بصفة إجمالية وخاصة جداً ضد جوبا. الخرطوم بالنسبة لواشنطن لم تكن فى حاجة إلى ضغوط، فقد ظلت لعقدين من الزمان هدفاً مستمراً وثابتاً للضغوط والاجراءات العقابية الأمريكية. الخرطوم أيضاً لم تكن مخطئة فى موقفها التفاوضي، قدمت عرضاً من جانبها 36 دولاراً وإنتظرت عرضاً معقولاً (قابلاً للتفاوض) من جوبا، ولكن الأخيرة عرضت دولاراً واحداً! الخرطوم أيضاً واجهت تحدياتها الاقتصادية الناجمة عن قرار وقف ضخ النفط بإجراءات اصلاحية جادة شديد الواقعية إستطاعت عبرها أن تعبر فوق مشاكلها الاقتصادية وتتجنّب الآثار السالبة لهذه الإجراءات ؛ فى حين أن جوبا لم تكن مكترثة كثيراً مع أنها باتت قاب قوسين أو أدني من إنهيار اقتصادي وشيك سبق للبنك الدولي أن أعرب عن قلقه من آثاره المدمرة. جوبا كانت قد قرّت رأيها على أن تدع الأمور تتعقد وتنهار المفاوضات ليواجه السودان – وحده – بحسب تصوُّرِها نتائج فشل التفاوض بحلول الثاني من أغسطس بحسب الموعد الذى حدّده مجلس الأمن، وربما أحسّت واشنطن بأن جوبا تدفع الأمور دفعاً بإتجاه إنهيار التفاوض أملاً فى مواجهة السودان لسلسلة إجراءات عقابية تضعفه وتجعله لقمة سائغة لها وهو أمر بدا محرجاً وشديد الحرج لواشنطن لأنّ واشنطن ومهما كانت مواقفها حيال الخرطوم فهي لا تستطيع أن تدفع العالم بإتجاه إتخاذ إجراءات ضد السودان والتركيز عليه للمرحلة المقبلة لمجرد إرضاء جوبا. كما أن السؤال المنطقي يظل قائماً، وهو ماذا بعد أن يتخذ مجلس الأمن ما يريد من قرارات ومواقف تجاه السودان؟ هل سيؤدي ذلك - تلقائياً - الى حل الأزمة الجنوبية الاقتصادية؟ هل سوف تنحل كل القضايا الخلافية الشائكة بين الخرطوموجوبا لمجرد لجوء واشنطن الى فرض قرارات وإجراءات عقابية بواسطة مجلس الأمن؟ من المؤكد ان واشنطن بدأت تستشعر أن جوبا قد مضت بعيداً فى اللعبة وتجاوزت الحدود المسموح بها. كانت واشنطن تداري حرجين فى آنٍ واحد، حرج تحميلها عبء مواجهة الأوضاع عبر مجلس الأمن وهى أمور نسبية غير مؤكدة النجاح وقابلة للفشل ؛ وحرج عرقلة جوبا للمفاوضات ودفعها دفعاً بإتجاه الإنهيار ولم تكن بوسعها الانتظار، ولهذا فقد طارت الوزيرة كلينتون دون أىّ تأخير الى جوبا لتدير الملف عن قرب وبأوامر مباشرة منها. وتشير متابعات (سودان سفاري) الى أن الوزيرة كلينتون ربما فضّلت البقاء بقرب القادة الجنوبيين، منعاً لرضوخهم لرغبات أىّ مسئول أمريكي آخر أو الإستماع الى وعود أخري من مسئولين آخرين أقل شأناً. كما أن كلينتون ربما كانت تحتفظ (بتوجيهات مباشرة) من الرئيس أوباما بأن تحسم القضية بالضغوط بصفة خاصة على جوبا وحدها حتى يتم تجاوز أزمة متطاولة تتجه لتسبب إنفجاراً فى الدولة الجنوبية الوليدة . لكل ذلك فإن هذه الاشارات وربما كانت هنالك إشارات أخري غيرها هى التى عجّلت وأسمهت بصفة خاصة فى تعجيل إبرام الاتفاق النفطي بين الخرطوم وجوبا!