سخر المبعوث الأمريكي إلى السودان (برنستون ليمان) من تقديرات الحكومة الجنوبية بشأن إمكانية بناء خط نفطي ناقل للبترول الجنوبي بإتجاه جيبوتي فى 30 شهراً فقط؛ وقال ليمان إن هذا الجدول الزمني (متفائل للغاية)! مشيراً الى أن عمل كهذا يستغرق ما بين 4 الى 6 سنوات . ودعا ليمان الحكومة الجنوبية الى ضرورة الإسراع بعقد إتفاق نفطي مع الحكومة السودانية لتتمكن من تأمين دخل مالي يتيح لها مواجهة أعباء إدارة الدولة، محذراً من تفاقم أزمة الجنوب الاقتصادية إذا لم تفعل. وبالطبع لم يكن هذا الحديث الأول من نوعه من مسئول أمريكي ينصح فيه جوبا بالتراجع عن قرار وقف ضخ النفط، فقد سبق للرئيس أوباما نفسه أن وجّه نصحاً مماثلاً للرئيس الجنوبي سلفا كير مياريت قبل أشهر خلت، ولكن دون جدوى، ولهذا فإن النصح الأخير هذا الذى ورد على لسان ليمان تبدو منه مظاهر نفاذ الصبر من قبل الإدارة الامريكية واضحة، فقد تسبّب القرار فى عرقلة قيام الدولة الجنوبية، كما بات يؤرق مضاجع واشنطن جراء الإنهيار المحتوم للدولة الجنوبية فى وقت قريب إذا لم تتم معالجة الموضوع. ومن المعروف أن واشنطن تسدد وعلى نحوٍ راتب مرتبات جنود الجيش الشعبي فى ظل عجز الحكومة الجنوبية عن الوفاء بها جراء الأزمة المتصاعدة . وتشعر واشنطن ان قيامها بسداد مرتبات الجيش الشعبي وإضطرارها لتقديم منح وقروض للحكومة الجنوبية أمر عديم الجدوي فى الوقت الذي فيه بإمكان جوبا أن تتفادي كل ذلك وتعود الى ضخ نفطها عبر الأراضي السودانية بعد أن تعقد إتفاقاً مناسباً مع الحكومة السودانية فى هذا الصدد. غير أن كل هذا مفهوم ومعلوم بالضرورة، ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هنا هو، تري لماذا أصرَّ ليمان فى هذا التوقيت بالذات على ضرورة أن تبرم جوبا إتفاقاً نفطياً مع الخرطوم على وجه السرعة؟ الواقع إن الأمر فيه عدد من الإحتمالات المتساوية الدرجة ولكن من الواضح أن الولاياتالمتحدة تعلم ان المفاوضات الجارية بين الطرفين فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا تتعرّض لعرقلة مقصودة من قبل الوفد الجنوبي؛ وفيما يبدو أن العرقلة الجنوبية تهدف الى ترك الأمور على ما هي عليه حتى ينقضي الأجل الذي حدّده مجلس الأمن الدولي فى قراره رقم 2046 الصادر فى مطلع مايو الماضي والذى ينتهي فى الثاني من أغسطس المقبل. واشنطن تعرف ان هذه هى حسابات جوبا، إذ تريد الأخيرة أن تصل الأمور الى منتهاها بلا حلول، حتى يتدخل مجلس الأمن -بحسب تقديرات جوبا- ويفرض حلولاً من عنده. دعوة ليمان يمكن فهمها فى هذا الجانب كرسالة الى جوبا بألاّ تعوِّل تماماً على ما سوف يحدث عقب إنقضاء الأجل المضروب، إذ أنّ واشنطن تعلم رغم كل تحيّزها السافر ضد الخرطوم، إن جوبا هى التى تعرقل التفاوض وليس الخرطوم ؛ كما أن هنالك صعوبة عملية كبيرة فى فرض حلول بواسطة مجلس الأمن، وإستحالة أكبر فى تنفيذ هذه الحلول إذا ما قُدِّر لها أن تُفرض. ومن المؤكد أن ضيق الوقت مع نفاذ كل تكتيكات جوبا من إحتلال منطقة، ومحاولة إحتلال مناطق جديدة على الحدود، والمراهنة على الأزمة الاقتصادية السودانية والاحتجاجات ومناقشة ملف النفط قبل الملف الأمني؛ كل هذه التكتيكات إنتهي الزمن المقدّر لها ولم تأتِ بنتيجة واحدة مثمِرة. أدركت واشنطن ان جوبا فشلت فى اللعبة وأهدرت كل فرصها، والوقت يمضي والخناق يضيق عليها وتقترب من الإنهيار. ولهذا فلربما أرادت واشنطن - رغم كل علاقاتها الوثيقة بجوبا- أن توجّه لها رسالة لا تخلو من حرج لكي تنظر الى الأمور بمنظار واقعي أوضح. من جانب ثاني، فقد يكون من المحتمل أيضاً أن يكون ما قاله ليمان فى إطار مناورة لدفع عملية التفاوض فالولاياتالمتحدة علي علم بأن الحل الوحيد للقضايا الخلافية بين الدولتين هو التفاوض وأن القدر الذى بإمكان الخرطوم أن تصمد فيه ليس متاحاً بذات القدر لجوبا، وسقوط جوبا محتوم؛ فى حين أن الخرطوم قادرة على إيجاد بدائل وتجاوز المنعطفات! ليمان بدا كمدرب نزل الى الملعب فى الدقائق الأخيرة وهو يصرخ فى اللاعبين طالباً منهم المحافظة على التعادل وليس إحراز الأهداف!