تقرير: ارنيستو لندنيو وإنجي حسيب: القاهرة تعهدت الحكومة المصرية يوم الاثنين الماضي بالتحرك بسرعة من أجل إعادة الأمن في شمال سيناء بعد أن طرح هجوم جريء وقع بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وقتل فيه 16 جندياً مصرياً، أولَ أزمة حقيقية لرئيس البلاد الجديد. الكمين ومحاولة المسلحين عبور الحدود ليلة الأحد، يُبرزان التحديات التي يمكن أن تميز رئاسة أول رجل دولة إسلامي في البلاد. ويُعتقد أن المهاجمين متطرفون إسلاميون حصلوا على موطئ قدم آمن بالقرب من الحدود مع إسرائيل في وقت انزلقت فيه المنطقة إلى حالة من انعدام القانون والانفلات الأمني خلال السنوات الأخيرة. غير أنه حتى الآن لم تتبن أي جهة هذه العملية. الحادث من المرجح أن يشكل أول اختبار حقيقي لصراع القوة بين قادة مصر العسكريين والرئيس مرسي، وهو واحد من قياديي "الإخوان المسلمين" وكان من بين آلاف الإسلاميين الذين تعرضوا للقمع على أيدي أجهزة الدولة تحت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. ورغم أن حملة قمع ضد الإسلاميين قد تكون التكتيك المفضل لدى الجيش، إلا أنها قد تكون مكلفة بالنسبة لمرسي سياسياً. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول حسن هريدي، وهو دبلوماسي مصري سابق كان قد أشرف على حقيبة إسرائيل في وزارة الخارجية: "هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء بهذا الحجم منذ توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل"، مضيفاً أنه "عمل في غاية التنظيم، والأشخاص الذين نفذوه يعرفون الأرض جيداً ويعرفون روتين نقطة التفتيش الحدودية". وتحت ضغط شديد من إسرائيل والمصريين، يواجه مرسي والجيش تحدياً كبيراً يتمثل في إيجاد طريقة لإعادة فرض وتأكيد سيطرة الدولة على شبه جزيرة سيناء الخارجة عن القانون بشكل متزايد. غير أن تنفيذ حملة تمشيط من النوع الذي كان سيقوم به الرئيس السابق يمكن أن يتسبب في مواجهة دامية بين الإسلاميين وقوات الأمن، وهو احتمال خطير بشكل خاص لأن المقاتلين وقبائل البدو في المنطقة عملوا على تخزين الأسلحة خلال السنوات القليلة الماضية. كما سيشكل اختباراً لتحالف مصر الشائك مع إسرائيل، والتي تمثل حجر الزاوية بالنسبة لسياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة. ويذكر في هذا الصدد أن المسؤولين الإسرائيليين طالبوا برد قوي من مصر على تهديد متزايد يمكن، إذا تُرك بدون معالجة، أن يدفع إسرائيل لشن هجوم على خلايا المقاتلين التي ترسخت وتجذرت على بعد بضع كيلومترات فقط من حدودها. "الإخوان المسلمون" نشروا بياناً على موقعهم على شبكة الإنترنت يوم الاثنين، قالوا فيه إن الهجوم كان على الأرجح من صنع جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد". كما قال البيان إن إمكانية تعرض قوات الأمن المصرية لهجوم بمحاذاة الحدود، "تجعل من الضروري" إعادة النظر في اتفاقية السلام بين البلدين. ومن جانبه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يوم الاثنين، إن الحادث ينبغي أن يكون "تحذيرياً" لمصر، وذلك بعد أن قام بزيارة تفقدية لمعبر حدودي تعرض لهجوم من قبل مجموعة من المقاتلين باستعمال مركبة عسكرية مدرعة مصرية تم الاستيلاء عليها. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الجيش الإسرائيلي قام بشن ضربة جوية قتلت على الأقل ثمانية مهاجمين. وفي هذا السياق، قال باراك: "أعتقد أن هذه لن تكون المرة الأخيرة التي نعثر فيها على محاولات لإيذائنا"، داعياً الحكومة المصرية إلى أن تكون "دقيقة وفعّالة". مرسي والمشير طنطاوي الذي يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري، سافرا معاً إلى العريش، وهي مدينة في سيناء تقع بالقرب من موقع هجوم الأحد، في مظهر وحدة. ولم يقدم المسؤولون الحكوميون سوى معلومات قليلة جداً حول الهجوم أو الطريقة التي ينوون الرد بها عليه؛ حيث قال المتحدث باسم مرسي إن الحكومة ليس لديها بعد معلومات نهائية حول هويات المهاجمين. هذا وأعلنت الحكومة الحداد لثلاثة أيام حزناً على مقتل الجنود الستة عشر، والذي يعد واحداً من أكبر الخسائر في الأرواح ضمن صفوف قوات الأمن المصرية زمن السلم. المسؤولون في قطاع غزة نددوا بالهجوم، ونقلت عنهم وكالة "معا" الإخبارية قولهم إن "حماس"، التي تسيطر على القطاع، ليس لها أي دور في ما حدث. وأفادت وكالة الأنباء، الموجود مقرها في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، أن مسؤولين في غزة أمروا بإغلاق أنفاق التهريب التي تصل غزة بمصر، والتي تعد بمثابة حبل النجاة الرئيسي بالنسبة للقطاع، وذلك في إطار الإجراءات الأمنية المشددة. وقال سكان سيناء إن الجيش أرسل قوات خاصة إلى المنطقة وإن طائرات هيلكوبتر عسكرية حلقت يوم الاثنين حول المنطقة التي بدأ فيها الهجوم. وفي هذا الإطار، أصدر الجيش المصري بياناً قال فيه إنه على أهبة الاستعداد ل"إعادة الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن". غير أن اللواء المتقاعد طلعت مسلَّم، وهو محلل للشؤون الأمنية، يرى أن الرد الشامل والدقيق اللازم من أجل إعادة الأمن في شمال سيناء قد يكون فوق قدرات الرئيس الجديد للبلاد، إذ يقول: "إن مصر تعاني حالياً من فراغ في الزعامة السياسية "، مضيفاً: "والحال أنه من الصعب مواجهة مثل هذا الوضع بدون زعامة سياسية". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»