قبل أكثر من يومين وردت أنباء من العاصمة اليوغندية كمبالا أشارت الى أن حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي قد وقع مذكرة تفاهم مع حركة مناوي. حفل التوقيع جري فى كمبالا بحضور د. مريم الصادق عن الأمة القومي، والريح جمعة عن حركة مناوي. فحوي المذكرة تراوح ما بين قضايا الفترة الانتقالية! والدستور القادم وكيفية معالجة قضايا الحرب، ومرحلة ما بعد الحرب! جوهر المذكرة -رغم كل عباراتها الانشائية التى تميِّز أطروحات الأمة- لا تبتعد كثيراً عن ما يمكن أن يُوصف بأنه (إتفاق لما بعد النظام الحالي)، وهو ذات ما سبق لما يسمّي بقوى الاجماع التوقيع عليه ثم الاختلاف حوله لاحقاً. وحتى هذه اللحظة وقد مضي على الخبر يومان فإن قيادة الحزب لم تكذِّب الخبر أو تنفيه بما يشير الى أن الخبر صحيح وأن الحزب يتحمّل بالتالي كافة نتائجه السياسية. وما من شك ان الأمر فيه جملة من المآخذ والمثالب السياسية الفادحة. فمن جهة أولي وفى مقدمة هذه المثالب السياسية ان حزب الأمة عقد إتفاقاً –بغض النظر عن مشروعيته أو إمكانية تحقيقه من عدمها– مع حركة دارفورية مسلحة ناشطة – بالسلاح – ضد الحكومة السودانية، ومن المفروغ منه أن عقد إتفاق سياسي وإجراء عمليات تفاهم وتنسيق من جانب حزب سياسي مع حركة مسلحة يخالف القانون ويخالف مقتضيات العمل السياسي، إذ أن إحدي أهمّ عناصر ممارسة العمل السياسي لأيّ حزب –وفق قانون الأحزاب السوداني 2009– هو الابتعاد عن ممارسة أىّ نشاط مسلح أو التنسيق مع جهة تنشط عسكرياً ضد الدولة ولا ندري كيف وقعت قيادة الأمة القومي فى مثل هذا الخطأ الفادح، ولا ندري ما الذى جعلها تختار هذا التوقيت بالذات، وهذه الظروف السياسية وتغامر بهذا الموقف؟ ومن جهة ثانية، فإن حركة مناوي واحدة من مكوِّنات ما يسمي بالجبهة الثورية، وهى الأخري ناشطة عسكرياً ضد الحكومة السودانية وذات طبيعة عسكرية ولها إرتباطات معروفة بجهات خارجية؛ وحزب الأمة ظل منذ سنوات يدّعي أن أكثر ما يميِّزه كحزب، نظافة جلبابه الوطني وبُعده عن (الأجندات الخارجية) وعدم إيمانه بها، فيا تري ما الذى جعل الأمة القومي يخرق مبادئه هذه ويلجأ لتغيير (جلبابه) فى طرقات كمبالا مع حركة مسلحة باتت كل تمويلها ودعوماتها تأتيها من الخارج؟ من جهة ثالثة فإن حركة مناوي نفسها وبصرف النظر عن جدوي الاتفاق معها أو قيمته السياسية؛ ما هو وزنها على مستوي حركات دارفور؟ وما هي إحتمالات إمكانية تقدمها للصفوف سواء على المدي القريب أو البعيد؟ من الواضح أن حزب الأمة القومي أخطأ الحساب، فحركة مناوي كانت جزء من عملية سلمية مع الحكومة، ولو كانت حركة مؤثرة ولها قوتها ووجودها الفاعل لأثّر خروجها عن السلام تأثيراً فادحاً على مجمل الأوضاع السياسية السودانية ولأضطرّت الحكومة السودانية لمحاولة إسترضائها. حركة مناوي -للأسف الشديد- ليس لها وزن سياسي أو عسكري يرقي لدرجة الاتفاق معها ومع ذلك فهي ورغم ضآلة وزنها لطخت ثياب حزب الأمة القومي وأوردت سمعته السياسية مورِد الهلاك. ولعل حزب الأمة القومي الذى يعيش حالة من التجاذب والتشاكسات بينه وبين قوى المعارضة السودانية وخاصة ما يسمي بقوى الإجماع أراد أن يتقدم على أقرانه فى المعارضة ويمنح نفسه القدرة على اللعب والتلاعب بكافة الحبال والخيوط، وهى لعبة خطرة ومدمرة، ومن شأنها أن تفقده مصداقيته وتخصم من ما تبقي من رصيده السياسي المتداعي، فليس هنالك أسوأ من أن يضع حزب عريق بأيدلوجية فكرية معينة نفسه فى موضع الباحث عن (رُكّاب سياسيين) ليقلّهم إلى مكان هو نفسه لا يدري أين يقع، ومتي يمكن أن يصل اليه؟ إن ما فعله الأمة القومي بتوقيعه لهذه المذكرة – عديمة القيمة – هو من قبيل محاولة تجريب بعض الأسلحة السياسية (المحرّمة سياسياً) على طريق المكايدات السياسية بين القوى السياسية المعارضة.