كشف رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بالبرلمان السوداني الفاضل حاج سليمان أن قضية إعتقال المواطن السوداني تلفون كوكو لدي الحكومة الجنوبية التى تجاوزت الثلاثة أعوام هى قضية حقوقية بالدرجة الأولي. وقال سليمان ان مجلس حقوق الانسان بجنيف سبق وأن نظر القضية فى عدد من إجتماعاته السابقة وسوف تُناقش بإستفاضة فى سبتمبر المقبل بجنيف، خاصة وأنها طُرحت ولم تجد معالجة! وأبانَ سليمان ان مخاطبات عديدة جرت فى هذا الصدد خُوطبت بها الحكومة الجنوبية لإطلاق سراح كوكو غير أنها لم تسفر عن شيء. والواقع أن قضية المعتقل السوداني كوكو تبدو كقضية نموذجية لسوء الكيل وإزدواجية المعايير التى تعاني منها العديد من المؤسسات الحقوقية الدولية، فقد كان أمراً مستغرباً بحق أن القضية نُوقشت بكافة أبعادها وتفاصيلها فى مجلس حقوق الانسان بجنيف ولم تجد أىّ معالجة! وجه الغرابة هنا أن مجلس حقوق الانسان ليس جهة قضائية تصدر الأحكام وتقيِّم الأدلة والبينات، وإنما هو مجلس معنيّ بإتخاذ قرارات ومواقف تبعاً لما يُوضع أمامه وما يتحصّل عليه بمجهوده الخاص من شتّي الجهات، وهذا يستلزم أن يقرِّر المجلس – على أدني تقدير – أن الاعتقال فى حد ذاته وبالنظر الى الظروف التى تمَّ فيها حيث لا توجد قائمة إتهام، ولا توجد قضية وُضعت أمام محكمة مختصة، ولا يُتاح للمعتقل الإلتقاء بمحاميه، ولا يتم تقديمه لقاضيه الطبيعي، ولا يُعرف حتى مكان إعتقاله، ولا الظروف المحيطة بالإعتقال، وما إذا كان يتلقّي عناية طبية وحقوقه كمعتقل موفورة. كل هذه ظروف تستوجب أن يصدر مجلس حقوق الانسان –كما ظل يفعل فى مئات الحالات المماثلة، خاصة اذا كانت فى مواجهة السودان– قراراً بإنتهاك حقوق المعتقل السوداني تلفون كوكو ومن ثم يطلب من الحكومة الجنوبية الافراج عنه فوراً أو تقديمه لمحاكمة. أَمَا وقد إختار مجلس حقوق الانسان ترك الأمر بلا معالجة فإن مصداقية المجلس - مع أنها أصلاً مشكوك فيها - تبدو على المحك ليس فقط لأنّ موقفه هذا يزيد من هزّ الثقة فيه، ولكن لأنه يعطي الحكومة الجنوبية مبرراً مشروعاً للإستمرار فى الإعتقال والإصرار عليه. وتشير متابعات (سودان سفاري) أن صمت مجلس حقوق الانسان وإن شجع جوبا على موقفها المتعنِّت، إلاّ أنه بالمقابل كشف عن جملة مؤشرات سياسية لا تصب فى مصلحة الحكومة الجنوبية؛ إذ أنّه من الغريب حقاً ان يصل الضعف السياسي والأمني بالحكومة الجنوبية لدرجة تخوّفها كل هذا القدر من الخوف والهواجس من (رجل واحد) تخشي أن تطلق سراحه، لأسباب تعرفها جيداًّ! فحين تخشي حكومة دولة من (شخص واحد) لا ينتمي إليها بصِلة الدم أو السياسة، ولا يمكن القول - مهما كانت المحاذير - أنه يشكل تهديداً بكل هذا القدر لوجود الدولة وبقاءها ؛ واذا قلنا ان تلفون كوكو يقف حجر عثرة ضد مخططات الحركة الشعبية فى جنوب كرفان فهذا يعني أيضاً – بدليل ساطع – ان كل القادة الذين تعتمد عليهم الحكومة الجنوبية فى تمرير مخططاتها فى جنوب كردفان بما فى ذلك الحلو وعرمان وعقار والسلسلة المطوّلة من أولئك القادة جميعهم فى كفة و كوكو فى كفة واحدة! هى مفارقة إذن بكل ما تعنيه الكلمة، لم تتوفر لشخص فى التاريخ الحديث إلاّ للقائد الافريقي نيسلون مانديلا الذى قضي فى سجون بريتوريا أكثر من ربع قرن! فإذا عذرنا جنوب افريقيا جرّاء سياسة الأبارتايد والأقلية البيضاء التى كانت متحكِّمة فى الأمور هناك، فيا تري بِمَ نعذر حكومة جوبا التى هى بالطبع لم يعرف (البياض) طريقه الى بشرتها، وإن عرٍف (السواد) طريقه جيداً الى قلبها!