مع أنها المرّة الاولي التى يستيقظ فيها بعض أعضاء البرلمان الجنوبي على صليل قيود المُعتَقل السوداني اللواء تلفون كوكو ويجدوا فى أنفسهم قدراً من الجرأة والثبات لمطالبة حكومتهم فى جوبا بإطلاق سراح السجين المظلوم الذى إستطال سجنه لما يجاوز الثلاثة أعوام دون تُهَم واضحة ودون محاكمة عادلة أو غير عادلة. إلاّ أن الخطوة رغماً عن كل ذلك وعلى أية حال تُحسب فى خانة الايجاب. ولعلنا هنا حين نولي إهتماماً بإثارة اعضاء المعارضة الجنوبية لهذه القضية لا ننظر الى الدواعي والداوفع الديمقراطية، فهذه الاخيرة هى آخر ما يمكن التحدث عنه – ولو عرضاً – فى دولة الجنوب الوليدة، ولكننا قطعاً نستشعر ما استشعره بعض أعضاء البرلمان الجنوبي هناك من حرج سياسي متصاعد ظل يلف الطقس العام للحياة السياسية والحياة المعتادة منذ سنوات بحيث أصبح ثوار الأمس ودُعاة التحول الديمقراطي ومحبّي قرارات وتوصيات حقوق الانسان على النقيض تماماً مما كانوا يتشدّقون به، وحوّلوا دولتهم الوليدة وهى ما تزل فى المهد الى مصاص دماء متمرِّس وقاتل محترف. من المؤكد ان الكثير من النُخب الجنوبية داخل وخارج منظومة الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان يشعرون بالحرج السياسي البالغ جراء تتابُع خروقات حركتهم الحاكمة لكل شيء دون كابح أو رادع، فهناك أنشودة الفساد المالي والتى ما تزال تصمّ الآذان حين إغترف أكثر من 50 مسئولاً وقيادياً ما يجاوز ال4 مليارات دولار فى سويعات لدرجة ان الرئيس كير لم يجد مخرجاً سوي بدعوة السارقين لإعادتها كلها أو بعضها دون مساءلة! وهنالك معتقلين – بالمئات – فى سجون ومعتقلات مجهولة أبرزهم اللواء تلفون كوكو الذى ذاع صيته ولكن بمعية كوكو آخرين من قادة قبائل النوبة لم يحظوا بشرف الشهرة . لقد كان الأمر المضحك المبكي معاً فى أحاديث أعضاء المعارضة الجنوبية بالبرلمان الجنوبي أنهم عملوا على تذكير حكومتهم بأن الاعتقال بالنسبة للواء كوكو (جاوز حدّه) وأن الامر منذ التاسع من يوليو الماضي لم يعد مشروعاً عقب إنفصال الدولة الجنوبية! فقد بدا هذا (التذكير) أو فلنقل هذه (المذاكرة السياسية) وكأنّها ثغرة قانونية جادت بها قريحة الاعضاء المحترمين، فهم – بحسب منطقهم – لم يكونوا على خلاف مع الحكومة الجنوبية فيما يتعلق بإعتقال كوكو قبل التاسع من يوليو؛ هم فقط يخالفون الحكومة الجنوبية الآن، بعدما إنفصل الجنوب ولم يعد اللواء كوكو مواطناً جنوبياً وإنما هو مواطن أجنبي من دولة مجاورة! المؤسف هنا ان الحكومة الجنوبية بدت وكأنها فى حاجة الى من يذكِّرها بجنسية اللواء كوكو ولجان حقوق الانسان وعدم مشروعية الاعتقال، كما ان اعضاء البرلمان وجدوا أن (من واجبهم) تذكير الحكومة الجنوبية بإنتهاء الزمن الرسمي المحدد للإعتقال طالما أن الانفصال قد وقع والرجل صار أجنبياَ. غير أننا اذا تجاوزنا كل ذلك –علي علّاته– وتساءلنا عن جدوي إثارة الموضوع فإن الامر قد يبدو محبطاً، فالحكومة الجنوبية لن تصغي بالطبع لنصح الاعضاء الجنوبيين وهى التى لم تنتصح من قبل للجان حقوق الانسان فى جنيف ولا لنصح واشنطن، ولعلَّ من عجائب القصة الغريبة ان الموضوع جرت مناقشته فى جنيف فى الاسابيع الماضية - وللمفارقات - وما أكثر مفارقات زماننا - لم يتم الخروج منه بنتيجة سلباً أم إيجاباً! فقد جري تأجيل النقاش فى جنيف حول الأمر. وطالما أن جوبا تعلم ان النقاش قد تأجل حتى فى جنيف فإن من قبيل الهزر واللهو الاصغاء لمن يثيره فى جوبا! وعلى كلٍ فإن اعضاء البرلمان الجنوبي – فى حدود ما يتمتعون به من ديمقراطية – فعلوا ما عليهم وهم بهذه المثابة مطالبون بإتخاذ قرار من مجلسهم الموقر بأن الحكومة الجنوبية تعتقل وفق قواعد مخالفة تماماً للقوانين الانسانية والدولية متعقَلِين سودانيين وتعبث بحقوق الإنسان؛ كما أنها مطالبة بمعالجة ملف الفساد المعلن فقط، إذ لا حاجة لما لم يُعلن ولم يعرفه الكافّة!