في بيان مطوَّل مؤرخ بتاريخ 28/8/2012م وممهور بتوقيع ياسر عرمان قال ما يسمي بقطاع الشمال أنه عقد إجتماعاً موسعاً لقياداته فى منطقة لم يسمِّها ولكن أطلق عليها قاعدة يوسف كوّة، مدعياً أنها داخل السودان. الإجتماع بحسب البيان انعقد فى الفترة من 21 الى 28 أغسطس 2012م، أى على مدي أسبوع كامل! وكعادة عرمان فى إستخدام الأساليب الدعائية غير المبنية على حقائق، فقد زعم أن القادة الذين حضروا الاجتماع حوالي 200 قيادي سياسي وعسكري! ولعلنا وقبل ان نسترسل فى تناول بعض فقرات البيان، نتساءل عن سبب إحجام عرمان – وقد تسنّي لهم جمع 200 قيادي، وناقشوا قضايا قطاعهم على مدي أسبوع كامل – عن عقد مؤتمر صحفي وبالطبع ليس فى المناطق المحررة كما يحلو له، ولكن لضمان التأمين فى نيروبي أو كمبالا أو جوبا. فالاجتماع بدا مهمّاً طالما حضره هذا العدد الكبير واستمر لأسبوع كامل، لماذا حرص عرمان غاية الحرص على صياغة بيان فقط؟ لا مجال فيه لتوجيه الأسئلة والمناقشة والأخذ والرد؟ وتكمن أهمية هذا السؤال فى أن عرمان و (رفاقه) مولعين بالدعاية الاعلامية ويحبون الأضواء، فلماذا فضّلوا حصر الأمر فى إيجاز مكتوب وممهور بتوقيع عرمان فقط؟ وإلى حين ورود إجابة من عرمان فإن أكبر إنجاز إستخلصناه من الوقائع الواردة فى البيان هو علم القطاع. فقد توصل القادة الى العلم المقترح ولم يستغرق النقاش حوله دقائق. ولكن لم يوضح فى البيان هل كان العلم المقترح علم السودان كله، أم علم دولة جنوب السودان التى يحلمون بها. غير أنه ورغماً عن ذلك فقد تلاحظ ان العلم المقترح قد حوي 6 ألوان! والغريب ان اللون الابيض تكرر مرتين! ولإيضاح تكرار اللون الابيض لمرتين قال البيان أن اللون الابيض الأول يرمز الى إتفاق السلام الأول فى نيفاشا 2005 ؛ أما اللون الأبيض الثاني فهو رمز لإتفاقية السلام الثانية المقبلة بين القطاع والحكومة السودانية! وبالطبع لم يحدد البيان متي ستتم هذه الاتفاقية، كما لم يحدد لماذا تعجّل واضعوا العلم ورمزوا لهذه الاتفاقية التى لم تتم بعد فى العلم ؟ والأهم من ذلك فما هي إذن الجدوي من النضال ووضع استراتيجية لاسقاط الحكومة السودانية اذا كان من المفروغ منه – وفق ما هو مشار اليه فى العلم – أن هناك إتفاقية سلام ثانية سوف تأتي فى الطريق؟ وما هو مصير برنامج السودان الجديد الذى ناقشه القادة بإستفاضة اذا كان هنالك سلام قادم، هل ستكون الحكومة السودانية ضمن ذات مشروع السودان الجديد؟ أما اللون الأسود الوارد فى العلم فقد قال البيان انه يرمز الى (سواد بشرة السودانيين)، وهو ما يُستشف منه -بوضوح تام- أن لا مكان لغير ذوي البشرة السوداء. ولم يقل البيان السمراء فى المرحلة المقبلة وأن قطاع الشمال يهدف الى إقصاء غير السود وإقامة مشروع السودان الجديد لصالح السود! ولننظر بتمعُّن وأسي الى هذه اللغة العنصرية الفاقعة وما وراءها وما وراء وراءها. أشار البيان – باستحياء ملحوظ – الى ان القادة المجتمِعين ناقشوا أيضاً – باستفاضة – قضية إعادة هيكلة القطاع والجيش الشعبي! الأكذوبة هنا لها عنصرين: العنصر الاول ان القادة يقرّون صراحة بأنهم حتى هذه اللحظة لم يكونوا قد أعادوا هيكلة قطاعهم وجيشهم، وهذا يعني انهم ما يزالوا تحت إمرة الجيش الشعبي والحركة الشعبية الجنوبية بما ينفي عنهم أية مشروعية أو أىّ وازع وطني. العنصر الثاني ان هؤلاء القادة الذين زعموا أنهم قاموا قبل سنة ونصف بفك إرتباطهم بدولة جنوب السودان كانوا قد كذبوا حينها لأنه لو صح أنهم فكوا إرتباطهم بها لكانوا منذ ذلك الحين قد أعادوا هيكلة قواتهم – إن وجدت – وإعادة هيكلة قطاعهم إن كانت لهم عضوية! ويظل السؤال الهام حائراً ماذا كان يفعل هؤلاء القادة -منذ سنة ونصف- وأين كانوا اذا لم تكن حركتهم قد أعيدت هيكلتها وأعيد هيكل جيشهم ؟ تحت أيّة راية كانوا يعملون ولصالح من؟ أما ثالثة الاثافي فقد تحدث البيان عن مناقشة أمر القادة المتعقلين من رفقائهم فى القطاع! وكانت المفاجأة أن أحداً منهم لم يجرؤ ولو على سبيل المزايدة السياسية على إثارة قضية إعتقال تلفون كوكو! وكانت هذه (الثغرة) من الضخامة بحيث يصعب على أحد منهم - مهما كانت درجة قدرته على المغالطة - أن يجيب علي هذا السؤال. واخيراً، تلاحظ أيضاً ملازمة صفة (الرفيق) لأسماء القادة – بحسب ما ورد فى البيان – وهى صفة ربما كانت محببة الى نفوس القادة، خاصة عرمان بحكم إنتمائه الأيدلوجي المعروف؛ غير أن المدهش هو هل كل الذين ينتمون الى الحركة – قادة وقاعدة – هم من الرفاق؟ وكيف إتفق ان واشنطن – المموِّلة المفترضة للقطاع ولو من الباطن – تعمل على تمويل حركة يقودها رفاق بالمصادمة والمخالفة للأيدلوجية الرأسمالية؟ إن من المؤكد ان عرمان إكتفي بهذا البيان الصحفي لأغراض إعلامية دعائية ولم يجرؤ، ولن يجرؤ حتى على مواجهة مؤتمر صحفي فى مثل هذه الحالات يتطلب منه الاجابة عن أسئلة لا يملك لها إجابات!