عرض/سعيد كامل يعد كتاب: "الحقوق في خطر: حدود الحريات في أميركا المعاصرة" هو الإصدار الثاني للمؤلف "ديفيد آيه شيبلر" الذي يتعرض فيه لقصص إنسانية حقيقية عانى فيها أميركيون انتهاكاً في ثنايا القضايا الدستورية الكبرى، التي شكلت ملامح الحريات المدنية في الولاياتالمتحدة قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر. وكان قد أصدر من قبل كتابه الأول المعنون "حقوق الناس". و"شيبلر" الذي عمل في السابق مراسلاً دبلوماسياً ل"نيويورك تايمز" يدمج في تأليفه لهذا الكتاب ما بين حاسته الصحفية التي تولي عناية خاصة للتفاصيل الدقيقة، وبين التعبير عن نفوره الأخلاقي تجاه ما يرى أنه يمثل -من نواحٍ عديدة- تجسيداً لافتئات النظام القانوني الأميركي على حقوق المتهمين، خصوصاً المنتمين منهم للأقليات الفقيرة والعاجزة، التي يقول المؤلف إنها تجد نفسها في العراء دونما أي حماية أو غطاء من جانب العديد من مؤسسات الحماية المجتمعية العاملة في الولاياتالمتحدة، لأن هذه المؤسسات تبدو أكثر اهتماماً بتوفير الرعاية لمن هم في غير حاجة حقيقية إليها، مقابل العزوف عن تقديمها لمن هو في مسيس الحاجة إلى ذلك. ويتهم المؤلف بعض المحققين في الولاياتالمتحدة ممن لا ضمير لهم باستخدام حيل وألاعيب قانونية لانتزاع الاعترافات من بعض المتهمين بقصد توريطهم في القضايا. وهؤلاء المحققون يذهبون بعيداً في الضغط على المتهمين إلى درجة إجبار بعضهم أحياناً، وتحت وطأة التهديد والتخويف، على الاعتراف قسراً بجرائم ربما لم يرتكبوها، أو لم يكونوا الجناة الرئيسيين فيها، مع القيام في نفس الوقت، وبالتوازي مع ذلك، باستخدام حيل وألاعيب قانونية أخرى تتمثل في إخفاء الأدلة والبراهين التي يمكن أن توفر لهؤلاء المتهمين البراءة، أو تلقي بظلال من الشك على التهم الموجهة إليهم، ما يمكن أن يقود إلى إبراء ساحتهم، على أساس أن الشك يفسر لمصلحة المتهم. ولا يقتصر الأمر على المحققين في إيقاع الظلم بالمتهمين، بل كثيراً ما يكون حرمان المتهمين الفقراء قليلي الحيلة من حقوقهم القانونية راجعاً إلى حقيقة أن المحامين الذين يتصدون للدفاع عنهم يضطرون لبذل مجهود يفوق طاقتهم للحصول على الأدلة التي يمكن أن تضمن البراءة لموكليهم، فلا يستطيعون، بسبب الافتقار إلى الإمكانات المالية اللازمة لذلك، والتي لا يقدر هؤلاء المتهمون على توفيرها، علاوة على قصور التمويل الذي تقدمه الحكومة الفيدرالية للمحامين في مثل تلك الحالات. وهكذا كان يتم في بعض الحالات إبعاد مهاجر شرعي إلى الولاياتالمتحدة بسبب حرمانه من نيل حقوقه الدستورية، لأي سبب من الأسباب أعلاه. ومما كان -ولا يزال- يفاقم من اختلال الموازين أن مثل هذه القضايا التي يتعرض فيها المهاجرون، أو المتهمون من الأقليات الفقيرة أو الضعيفة للظلم من خلال الأحكام الجائرة، تعامل فيما بعد باعتبارها سوابق قانونية، يتم دمجها في المنظومة القانونية، ومن ثم استخدامها في قضايا أخرى لاحقة مشابهة بحجة أنها أحكام سابقة يمكن الاسترشاد بها. ويورد المؤلف بعض الإحصاءات التي تدعم طرحه، ومنها على سبيل المثال أن عدد الاعترافات الزائفة، أو الاعترافات التي يتم الحصول عليها تحت الضغط والتهديد وباستخدام الحيل والألاعيب القانونية قد بلغت 20 في المئة من إجمالي القضايا التي تنتهي بإدانة المتهم أو المتهمين، ويتم نقضها بعد ذلك من خلال إجراء فحص للحمض النووي للمتهمين وتبرئة المتهمين فيها. وهي نسبة كبيرة بالطبع وتدل على مدى انتشار الممارسات الجائرة في النظام القانوني الأميركي، ومدى انحراف ميزان العدالة. ويورد المؤلف أيضاً قصصاً حقيقية تعرض فيها أشخاص لظلم فادح بسبب خلل النظام القضائي الأميركي ومن ذلك مثلاً قصة شاب يدعى "مارتين تانكلف" اتهم بقتل والديه واعترف بذلك تحت ضغط هائل من المحققين وأدين بالفعل، وحكم عليه بالسجن لمدة خمسين عاماً، وفيما بعد عُثر بالمصادفة على دليل يثبت براءته فتم الإفراج عنه بعد أن كان قد قضى في السجن 17 عاماً كاملة. ويقدم المؤلف حزمة من الاقتراحات المتعلقة بإدخال إصلاحات في النظام القانوني الأميركي يمكن من خلالها تقليص حالات إكراه المتهمين على تقديم اعترافات زائفة، ومن تلك الاقتراحات: منع المحققين من استخدام أسلوب الكذب على المتهمين من خلال إقناعهم بأنهم قد حصلوا على أدلة تدينهم وأنه لا فائدة من الإنكار لأن التهم ثابتة عليهم، ومنع قيام المحققين بتقديم إشارات غير مباشرة بأن المتهمين سيتم تخفيف عقوبتهم إذا ما اعترفوا بارتكاب الجرائم، وكذلك حظر استجواب الأطفال في حالة عدم وجود أحد من أولياء أمورهم أو وجود محامين. وهناك أيضاً الاقتراح الذي يرى أنه يمكن أن يخفف من تلك الممارسات القانونية الجائرة إلى حد كبير وهو تصوير التحقيقات بالصوت والصورة من البداية إلى النهاية. ويقترح المؤلف في نهاية كتابه أن يتم تعزيز الثقافة والوعي القانوني للأميركيين، وتوعية الجاليات والأقليات بحقوقها الدستورية وخصوصاً أن الكثير من أبناء تلك الجاليات يأتون من مجتمعات سلطوية لا تهتم كثيراً بحقوق الأفراد ولا بقضايا الحريات الشخصية والعامة. وحول هذه النقطة يقول الكاتب: "لو قامت كل مدرسة من المدارس بتعليم التلاميذ -وثيقة الحقوق الدستورية- بأسلوب واضح، فإن ذلك سيكون كفيلاً بجعل كل إنسان يشعر بحاجته، إلى مقاومة أي انتهاك قد يتعرض له، وبحقه في مواجهة أي افتئات قد يقع على حقوقه". سعيد كامل الكتاب: الحقوق في خطر: حدود الحريات في أميركا المعاصرة المؤلف: ديفيد كيه شيبلر الناشر: نوبف المصدر: الاتحاد الاماراتية 2/9/2012م