يبدو أن مفاوضات أديس بين دولتيّ السودان وجنوب السودان تمضي الي محطتها الأخيرة. المعطيات الماثلة والمتاحة رغم ضبابية الكثير منها الاّ أن هنالك ما يشير الي أنها تصب في خانة الإيجاب بالنسبة للحل النهائي. وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي قال للصحفيين في مطار الخرطوم -السبت قبل الماضي- إن بلاده تري أنها ستكون مفاوضات نهائية. ربما كان الرجل يتحدث من منطلق إحاطته بالتحضير الجيد، أو بتوفر إرادة سياسية لم تتوفر من قبل للجانبين خاصة وأن بياناً ناعماً صدر عن مجلس الأمن الدولي في ذات اليوم – السبت قبل الماضي – دعا الطرفين الي سرعة حسم خلافاتهما وأشاد بإتفاق النفط الذي تحقق، وطالب بضرورة عقد قمة رئاسية بين الرئيسين البشير وسلفا كير لإنهاء النزع نهائياً. الوسيط المشترك أمبيكي هو الآخر أجري لقاءات مشتركة في كل من الخرطوموجوبا قبل المفاوضات بدا من خلالها وكأنه قد استطاع أخيراً أن يضع يده علي أسس الحل الشامل، وقد تلاحظ احتفاظ الرجل بمقترحات قال إنه يحتفظ بها لقمة الرئيسين. وبالطبع ما من مقترحات توضع بهذا الصدد لقمة رئيسيين وتمثل مفاجأة بالنسبة لهما! من المؤكد أن الرجل لم توصل إليها إلا بعد (تشاور) ولو في نطاق ضيق. وهكذا يمكن القول علي وجه الإجمال إن الأسس والمعطيات التي توفرت لهذه المفاوضات – بالمقارنة مع ما سبقها – تبدو أكبر وأفضل، وليس من المستبعد أن تكون بعض أسباب ذلك مردّها الي أمور معينة التقطها أعضاء مجلس الأمن وباتوا علي قناعة من أنها السبيل الوحيد للحل الشامل لأن البديل المتوقع بالطبع هو الحرب نظراً لحساسية القضايا، خاصة قضايا الحدود وملف أبيي الأكثر تعقيداً. غير أن ما يثير القلق دائماً أن أحداً لا يعرف مرامي وأهداف الولاياتالمتحدة طالما تعلق الأمر بجوبا حيث مصالحها الإستراتيجية الهامة ومصالح حليفتها إسرائيل وطالما أن الأمر يتعلق بمحاولات الضغط علي الحكومة السودانية بشتي السبل بغية ترويضها ومحاصرتها. سيظل العامل الأمريكي وحده هو الأكثر تأثيراً علي عملية التفاوض بين الدولتين بحيث تنجح المفاوضات بقدر معين أو لا تنجح بمقدار ما يتحقق لواشنطن من مصالح. وعلينا في هذه النقطة بالذات أن نعلم أن واشنطن - ولأسباب خاصة بالانتخابات الرئاسية فيها - تحتاج لشئ ما، يتيح المجال لإدارة أوباما لاستخدامها في المنافسة المحتدمة هناك بين أوباما ورومني، ولو لأغراض الكسب السياسي واجتياز المنافسة، ولهذا فقد تسعي واشنطن للحصول علي عملية سلمية سريعة، هي بمثابة حل نهائي للأزمة ظاهرياً ولكنها في الحقيقة مجرد هدنة وتهدئة ربما تُلتقَط الأنفاس وتمر العاصفة. من المؤكد أن الاتفاق بين جوباوالخرطوم ما يزال بعيداً إذا نظرنا إليه إستراتيجياً ولكن من الناحية التكتيكية يمكن أن يكون قريباً. من هنا بات يتولد شعور عام لدي المتفاوضين ولدي قادة الدولتين أن القطار الذي يقف الآن في المحطة ويطلق صافرة تصم الآذان هو القطار الأخير. بعض قادة الدولتين ربما يراهنون علي أن إدارة أوباما أفضل في إدارة الأزمة وبالتالي من الخير حسم النزاع في عهدها لأن أحداً لا يعرف طبيعة الإدارة المقبلة إذا لم تحظ إدارة أوباما بثقة الناخب الأمريكي والبعض الآخر يري العكس إذ لابد أن تذهب إدارة أوباما وتأتي إدارة أخري قد تتعامل بطريقة أفضل مع أن الثابت - في الحالتين - أن الإدارتين لا تختلفان جوهرياً عن بعضهما إلاّ في حدود ضعيفة للغاية. وعلي العموم ليس من السهل التكهن بمآلات الأمور وان كان من المرجح أن الأزمة سوف تحل موقتاً علي أية حال!