بعد طول انتظار وعسير مخاض، وقعت أحزاب تحالف المعارضة المنضوية تحت لافتة الإجماع الوطني على وثيقة البديل الديمقراطي، بعد أن كادت تعصف بها تعديلات اللحظة الأخيرة بطلب من حزب الأمة وتم إرجاء التوقيع على الإعلان الدستوري إلى وقت لم يحدد، وذلك بسبب تحفظ من حزبي المؤتمر الشعبي والأمة القومي، ما رشح من تحفظات شمل الاختلاف حول مدنية الدولة ونظام الحكم ومستوياته ومهام الفترة الانتقالية والوقت المطلوب لانجازها، وهي مسائل جوهرية يعني الاختلاف عليها إنه لا يوجد اتفاق حول أهم عناوين الإعلان الدستوري، ولعل أهمها كيف يأخذ الإعلان الدستوري شرعيته، هل يتم ذلك بالتوافق؟ أم بالإجازة من جمعية تأسيسية منتخبة؟ الأرجح أن الخيار الأول هو خيار معظم مكونات التحالف الوطني وهو خيار يشبه الى حد كبير تجارب التوافق على الدستور في دول مثل تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي. وقد يكون الخيار الثاني هو تكرار لتجارب سودانية سابقة بعد أكتوبر وابريل وقد أثبتت فشلها وذهبت في ذمة التاريخ فلماذا تكرار التجارب الفاشلة؟ إذا كانت رسالة المعارضة هي إحداث التغيير، فهناك اشتراطات منطقية لهذا التغيير، منها أن يكون للأفضل وأن تكون كلفته تتناسب مع مردوده، وحسب الافتراضات الممكنة فإن تحالف المعارضة يسعي لإسقاط (تغيير) النظام سلمياً، وهذا مباشرة يعني العمل على تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى أحسن مما هي عليه الآن، وعليه ينبغي أن تتوفر مدخلات وضمانات لاستمراريته وديمومته – وحسب ما أعلن تحالف المعارضة فإن التغيير سلمي الوسيلة ديمقراطي التوجه، لذلك و بداهة ينبغي أن يستصحب ومنذ الآن العمل من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان، والحقوق التي تبرر قيام ووجود الدولة نفسها سواء كانت هذه الدولة ديمقراطية أم غير ديمقراطية، وأياً كان نوع النظام الذي يحكمها مدنياً كان أم عسكرياً، وأياً كان الدستور أو القوانين التي تنظم العلاقات فيها وبين مكوناتها – ويظل العمل من أجل صيانة هذه الحقوق أفضل وسائل إدارة الصراع الديمقراطي من أجل سيادة حكم القانون وإلزام الدولة ومؤسساتها المختلفة باحترام القانون وتطبيقه، كذلك الأمر بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني فلابد من إيجاد طريقة للتعامل معها بحيث تتحول إلى أدوات وكيانات فاعلة تخدم قضية التطور الوطني، ولابد من التفكير الجاد في الوسائل التي تشجعها على إعادة تأسيس هياكلها وأدواتها وطرق عملها على أساس ديمقراطي وعلى قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات ذلك أن إسقاط (تغيير) النظام لن يؤدي مباشرة إلى إصلاح الحال من النقيض إلى النقيض كما إن حاضنة قوى التغيير ينبغي أن تكون على أهبة الاستعداد للقيام بدورها في الحفاظ على الوضع الجديد وتطويره بهدف تحقيق البدائل المتوقعة، استدامة السلام والتنمية لا يكفيها فقط إن تكون أجندة معتمدة ومتفق عليها من قوى التغيير لكي يمكن تحقيقها، لابد من وجود شراكة يكون للمواطن وللجمعيات والتجمعات المدنية بكافة أنواعها دور في التغيير والالتزام الواضح لمجابهة المشاكل والمظالم التاريخية، والتأكيد على جدلية العلاقة بين الحقوق والواجبات، وخلق تراكم كمي ونوعي وقوة دفع متجددة ومتوازنة بين الفعل الممكن نظرياً والذي يمكن تحقيقه على ارض الواقع، واذا كانت المعارضة حريصة على انتقاد الحزب الحاكم باعتبار أنه يتكرر ولا يجدد نفسه ويثبت بالسلطة ولا يكترث لدعوات التغيير، فهي إنما تفعل نفس الأمر تحت ذرائع ومبررات مختلفة، الكل يتشبث بالسلطة حاكمون ومعارضون وحتى منظمات المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والأندية الرياضية والجمعيات الطوعية والحقوقية، فالقيادات التي وجدت أو أوجدت نفسها على قمة هرم القيادة والسلطة ثابتة ودائمة لا تتغير، لا جدال في أن الحفاظ علي سيادة البلاد وأمنها وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها هو واجب الحكومة وسبب وجودها ومبرر بقائها، هذه دعوة مخلصة توجهها للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني فهي أهم الجهات التي تتصدي لعملية التغيير والإصلاح، فلابد للأحزاب السياسية من إعادة النظر فيما تقوم به، علي الصعيدين النظري والعملي، ولابد من أعمال سياسة إصلاح العمل الحزبي والقيادي بما يخدم قضية التطور الفكري والسياسي والتنظيمي داخل الأحزاب نفسها، هل فكرت أحزابنا في إن تقوم بما عجزت عن القيام به السلطات في مجال العمل الطوعي؟ هل جربت أن تقوم بحملات أو ترعي برامج لإصحاح البيئة، وإقامة الأسابيع العلاجية ورعاية المرضي والمسنين وكفالة الطلاب والأيتام؟ هل فكرت في إن تقوم بأي دور في مجال التثقيف والتعليم والتدريب؟، هل فكرت في إنشاء ورعاية الجمعيات التعاونية والخيرية والمساهمة في تخفيف الأعباء المعيشية، و استقطاب الدعم المحلي والأجنبي لهذه البرامج. فيا أهل المعارضة كونوا مقنعين بالقيام بما تعجز عنه الحكومة. نقلاً عن صحيفة الصحافة 12/9/2012م