زيارة الرئيس التشادي، الأخيرة إلى الخرطوم، أنعشت الآمال في إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، إذ تعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ حوالي الست سنوات، شهدت فيها العلاقات بين البلدين الكثير من الاضطرابات، والتي وصلت ذروتها بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، رغم عمق الروابط التاريخية بين البلدين ورغم علاقة الجوار التي تجمع بينهما، فضلاً عن التداخل القبلي والأسري والثقافي بين البلدين.. ومعروف أن تشاد منذ استقلالها عن فرنسا في العام 1960م لم تعرف استقراراً يذكر بل ظلت موجات التمرد والاقتتال القبلي تموج فيها مرة بعد أخرى دون أن تعرف انقطاعاً يسمح ببناء دولة مركزية مستقرة ومؤسسية فغداة الاستقلال انفجر الصراع بين الرئيس المسيحي الذي خلفه الاستعمار الفرنسي عن قصد وسوء نية وبين المسلمين وقبائلهم الرئيسية، وقد بدأ الصراع منذ ذلك الحين ليختفي العامل الديني بعد ذلك ويتعزز العامل القبلي في الصراع حتى أن منظمة الوحدة الإفريقية احتارت في مطلع الثمانينيات فيمن يمثل تشاد في المنظمة الإفريقية إذ كانت فيها يومئذ حكومة برئاسة حسين هبري في إنجمينا وحكومة أخرى تسيطر على أجزاء من الأراضي التشادية بقيادة جوكوني عويدي وكل منهما يدعي تمثيل تشاد ويجد دعماً من بعض القوى الإقليمية والدولية التي ناقشت تحرك الصراع التشادي عن بعد بحثاً عن مصالحها السياسية والاقتصادية دون أن تعبأ بالمعاناة التي يسببها هذا الاضطراب المتطاول للمواطن العادي في تشاد. وقد لعب السودان في كثير من الأحيان دور الوسيط والمهدئ في الصراعات التشادية منذ أن قام نظام نميري بجمع الفرقاء التشاديين في سبتمبر من العام 1977م لتوقيع اتفاق مصالحة لم يدم كثيراً.. وبطبيعة الحال فإن إقليم دارفور وبحكم حدوده المفتوحة مع تشاد قد عانى كثيراً من تداعيات الصراعات التشادية التي جاء على رأسها تدفق السلاح الناري بأنواعه الأمر الذي فاقم الاحتكاكات القبلية التقليدية التي كانت تحدث حول الماء والمرعى، ولكن تدفق السلاح حولها إلى صراع من نوع آخر حتى وصل الوضع فيها إلى ما هو عليه الآن بعد أن دخلت فيه القوى الغربية لتستغله لتنفيذ أجندتها الاستعمارية في الإقليم والمنطقة بصفة عامة.. عموماً نأمل أن تكون زيارة الرئيس التشادي الأخيرة خطوة صادقة وان تصمد الاتفاقات هذه المرة أمام ضغوط القوى الدولية التي لا يهمها أن تحترق تشاد أو دارفور أو السودان من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 11/2/2010م