ليس من قبيل المبالغة السياسية القول ان قوى المعارضة السودانية حاولت الإصطياد فى مياه العلاقات السودانية الجنوبية العكرة، غيرما مرّة، ولكن شباكها لم تأتِ بشيء، فقد كانت المياه – لسوء الحظ – ضحلة! وليس من قبيل المبالغة أيضاً القول ان قوى المعارضة تمنّت غاية التمنِّي – ودَعت فى سرها وجهرها مراراً – بإنهيار المفاوضات بين الجانبين على أمل أن يتولى مجلس الأمن – وفق الفصل السابع – تطبيق مقتضيات القرار 2046 وسلسلة الاجراءات والعقوبات وبتركيز خاص على السودان لكي يسقط النظام الحاكم فيه. فقد كان الرهان الأبرز لهذه القوى ان تسقط (تفاحة الوطني) من علياء الشجرة تماماً كما سقطت تفاحة نيوتن لكي تصيح قوى المعارضة: وجدتها..وجدتها! ولهذا تلاحظ ان هذه القوي سخرت أيّما سخرية من دعوة الوطني لها للمشاركة فى إعداد الدستور الدائم، ولسان حالها يقول: وهل ستبقي حتى يُجاز الدستور؟ كانت حساباتها أن الوطني لن يمتدّ به العمر وهو فى خضم أزمته مع جوبا حتى يشهد الدستور الجديد، ولذا إحتشدت الألسُن بالسخرية وإنتفخت الأوداج بالرفض، وتهيّأ الجميع للرقص المرتقب على طبول قرارات مجلس الأمن. وبالطبع لسنا هنا لإعابة هذا التصور السياسي لقوى المعارضة السودانية، فهي وعلى قدر وزنها السياسي، وقدر ما لديها تصوّرت الأمر على هذا النحو. ولكننا من المؤكد نتساءل عن مصير هذه القوى، وقد خاب ما توقعته وتبدلت الأمور فى أديس أبابا، وذابت خياراتها تماماً كما تذوب حبات الملح الصغيرة فى مياه محيط هادر! دعنا نتصور أن جوبا ما تزال وستظل على وفاقها مع هذه القوى المعارضة وتمثل لها سنداً؛ هل تستطيع جوبا -بعد الآن- أن تلعب أية لعبة تجد قوى المعارضة من خلالها تمريرة لإحراز هدف فى شباك الوطني؟ وإذا كانت جوبا أرهقت من حمل قطاع الشمال (وهناً على وهن) وجاء فصاله فى أقل من عامين، فكيف بها تتحمّل قوى سياسية تقليدية ويسار هش يبدأ وينتهي بشعارات القماش، وبوسترات الطرقات، بارت سلعته السياسية ولم يستعد حتى معشار رأسماله؟ إن الفلسفة التى قامت عليها هذه المعطيات المثيرة لقلق قوى المعارضة أنها لم تأخذ الدرس جيداً منذ ان كان قادة الحركة الحاكمة حالياً فى جوبا، هنا فى الداخل يخادعون قوى المعارضة السودانية بقوي الاجماع ويستغلّونها أبشع إستغلال من أجل الانفصال وكان تتويج هذه المخادعة بالانفجار الكبير الذى جري عشية الاستحقاق الانتخابي فى ابريل 2010م حين إنسحبت جوبا جنوباً، وتركت قوى الاجماع تبيت فى عراء الشمال الموحش بلياله السياسية المسهِّدة الطافرة الدموع! الآن - ويا للعجب - تكررت ذات المخادعة، فعلت جوبا ما فعلته من قبل وأوصلت الأمور الى الذروة ثم أنزلتها بسرعة فائقة ليتلفّت قادة قوى المعارضة يمنةً ويسرةً بحثاً عن حل أو مهرب!