تسببت حملة حكومية خرقاء لنزع الاسلحة بهدف وقف الاشتباكات القبلية في المراعي بشرق دولة جنوب السودان في اندلاع تمرد مسلح محدود ضد حكام احدث دولة في العالم الامر الذي يهدد عملية استكشاف النفط المقررة في المنطقة. وربما لا يزيد عدد المنضمين للتمرد الناشي في ولاية جونقلي بقيادة ديفيد ياو ياو زعيم ميليشيا المورلي وطالب اللاهوت السابق عن بضع عشرات من المقاتلين. لكن ثمة مخاوف من تصاعد التمرد بدافع من المظالم والشكاوى المحلية من جيش جنوب السودان. وأبرم قادة شمال السودان وجنوبه وهما طرفا الحرب الاهلية في السودان اتفاقا بشأن امن الحدود ينبغي ان يكون كافيا لاستئناف الصادرات النفطية المعلقة من الجنوب الذي استقل عن السودان العام الماضي. لكن مع استمرار حالة الشك العميق بين الجانبين بعد عقود من العداوة لا تزال هناك شكوك جادة بشأن ما اذا كان بامكان الجارين غير المستقرين اقتسام ثروتهما النفطية في سلام. وينبع الاضطراب المناهض للحكومة في جونقلي من حملة قوية لنزع الاسلحة من جانب جيش جنوب السودان (الجيش الشعبي لتحرير السودان) لمنع تكرار اشتباكات وقعت في يناير كانون الثاني بين قبليتي المورلي ولو نوير التي اسفرت عن مقتل مئات الاشخاص. وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان قالت في اغسطس آب انها تلقت تقارير موثوق بها تفيد بأن عناصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان انخرطت في عمليات قتل واغتصاب وضرب وتعذيب خلال حملة نزع الاسلحة التي اطلق عليها اسم 'عملية استعادة السلام'. كما ابلغت بعثة الاممالمتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان عن وقوع انتهاكات مماثلة قائلة ان اغلب الضحايا نساء وفي بعض الحالات اطفال. وقال عامل اغاثة في البلاد طلب عدم نشر اسمه 'هذه وصفة للتجنيد. نزع السلاح اوجد بيئة مناسبة لتكوين جماعة مسلحة غير حكومية. الامر يمكن التنبؤ به تماما.' واتهمت السلطات في جوبا الاسبوع الماضي السودان بإسقاط اسلحة وذخيرة من الجو على متمردي ياو ياو في ولاية جونقلي التي يوجد بها امتياز نفطي ضخم لم يستكشف قامت الحكومة بتقسيمه الى ثلاثة امتيازات في الاونة الاخيرة. وقال وزير الاعلام في حكومة جنوب السودان بارنابا ماريال بنجامين 'هناك صقور داخل (الحزب الحاكم) في الخرطوم. هناك من يصرون على الاعتقاد بأنهم لا يستطيعون حل المشاكل مع جنوب السودان الا بالحرب وبجلب قدر كبير من عدم الاستقرار لهذا البلد ودعم ميليشيات مختلفة. 'نيتهم الاساسية هي تخويف المستثمرين.' وتنفي الحكومة والجيش السودانيين دائما اتهامات جوبا بدعمهما للتمرد. وورث جنوب السودان لدى استقلاله في يوليو تموز الماضي اغلب النفط الذي كان ينتجه السودان الموحد. واوقف جنوب السودان ضخ 350 الف برميل من النفط يوميا منذ بداية العام زاعما ان الخرطوم كان 'يسرق' نفطه بتحويله من خطوط انابيب عبر السودان. ومن المتوقع ان يؤدي اتفاق ابرمه الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس جنوب السودان سلفا كير في اديس ابابا الى استئناف الصادرات النفطية. ومن العوامل الرئيسية في الخطط المستقبلية لتطوير قطاع النفط في جنوب السودان - والتي تشمل اقتراحا بمد خط انابيب بديل ينقل نفط الجنوب عبر كينيا او اثيوبيا بديلا عن السودان - امتياز نفطي ضخم يغطي اغلب اراضي ولاية جونقلي. وقررت الحكومة في جوبا هذا الشهر تقسيم (الامتياز بي) المملوك في الاغلب لتوتال الى ثلاثة امتيازات واعطت احدها للشركة الفرنسية والاخرين لشركتين اجنبيتين اخريين. وكانت توتال قد اوقفت العمليات في الامتياز عام 1985 بعد استئناف الحرب الاهلية الطويلة التي انتهت باتفاق سلام عام 2005 مهد الطريق امام انفصال الجنوب. ومن شأن الصراع الجديد في ولاية جونقلي حيث قتل الالاف من قبيلتي المورلي ولو نوير في تفجر للنزاعات العرقية المستمرة منذ عقود ان يقلق المستثمرين المحتملين الى جانب الحكومة. وقتل مقاتلو ياو ياو في اغسطس ما لا يقل عن 24 من جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان في كمين. ويقول الجيش ان 74 آخرين من جنود جنوب السودان لا يزالون مفقودين وربما لقوا حتفهم. وينحي القادة المحليون على الانتهاكات التي ارتكبها جنوب الجيش الشعبي لتحرير السودان خلال حملة نزع الاسلحة باللائمة في دفع مجندين محليين الى التمرد خاصة اعضاء قبيلة المورلي التي ينتمي اليها ياو ياو والذين يشعرون انهم استهدفوا على نحو جائر. وقال اسماعيل كوني عضو البرلمان واحد زعماء قبيلة المورلي 'ما كان لياو ياو ان يعود اذا لم يضرب (الجيش) المدنيين لانه يعرف انه لن يلقى الدعم. 'اعتقد الان ان ياو ياو سيجند هؤلاء الشبان بسهولة.' وترى قبيلة المورلي نفسها ضحية لاضطهاد وتهميش منذ فترة طويلة من جانب الحكومة في جوبا. وتقول جماعة متمردة اخرى هي جيش تحرير جنوب السودان كانت قد هاجمت عدة بلدات وزرعت الغاما ارضية في ولاية الوحدة في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي في بيان عبر البريد الالكتروني انها على وشك تكوين تحالف بين القوات المناهضة للحكومة ومنهم مقاتلو ياو ياو. وجاء في رسالة البريد الالكتروني التي ارسلت من حساب يحمل اسم جيش تحرير جنوب السودان 'جميع الجماعات المتمردة شكلت تحالفا سيعلن خلال شهر. الميجر جنرال ديفيد ياو ياو هو قائد قوات ثورية في جونقلي. كلنا واحد.' ويقول جيش تحرير جنوب السودان ان قائد ميليشيبا المورلي ياو ياو تودد حتى لميليشا لو نوير المنافسة لتكون حليفا محتملا في تمرده ضد الحكومة في جوبا. و'الجيش الابيض' التابع لقبيلة لو نوير والذي يقوده مدعي النبوة داك كويث مسؤول عن مذبحة قتل فيها 600 من قبيلة المورلي في ديسمبر كانون الاول ويناير كانون الثاني وجرى استهدافه ايضا في حملة نزع الاسلحة التي قام بها الجيش. ورفض بنجامين المتحدث باسم الحكومة وهو نفسه نائب في البرلمان عن قبيلة لو نوير التأكيد على ان الجيش الابيض يمكن ان ينضم الى ياو ياو. واعلن ياو ياو الذي يعتقد انه له خبرة عسكرية محدودة التمرد للمرة الاولى في مايو ايار 2010 بعدما ترشح مستقلا في الانتخابات التشريعية للولاية عن دائرة قمروك-بوما. وخسر بفارق كبير امام مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان. وخلال تمرده الاول اكتسب تأييد الشبان لانه كان يرى كمدافع عن مصالح المورلي. لكنه فقد الدعم ايضا عندما قبل عفو حكومة جنوب السودان في يونيو حزيران 2011 مقابل منزل وسيارات واموال وفقا لما قاله عضو بقبيلة المورلي شارك في المفاوضات. وقال كوني زعيم المورلي ان ياو ياو هرب الى الخرطوم في ابريل نيسان خلال علاجه المفترض في مستشفى بالعاصمة الكينية وعاد لاحقا الى جونقلي مع 19 رجلا ووصلها في يوليو تموز. المصدر: القدس العربي 1/10/2012م