نبقلم : أ. د. عبدالرحيم نورالدين أضحى السباق إلى القصر الرئاسي في السودان بما لا يدع مجالاً للشك محفوفاً بجملة من المخاطر والتحديات، السياسية والأمنية والإعلامية الصارخة.. فما لم يتم التعاطي مع هذه المشكلات بتسويات ومعالجات عقلانية، فإن الانتخابات العامة المرتقبة سوف تصبح استعراضاً رجسياً للذات الأيديولوجية والثورية، والصوفية، والقبلية، والجهوية المتلعثمة والمقنعة. لقد انطلقت بالأمس بأنحاء البلاد قاطبة الحملات الدعائية الانتخابية للمناصب التنفيذية والتشريعية في كافة المستويات، وتستمر 56 يوماً، بمشاركة 66 حزباً سياسياً، ويخوض السباق 14.353 مرشحاً، بينهم 12 مرشحاً يتنافسون على مقعد رئاسة الجمهورية الوثير. وتحسبت المفوضية العامة للانتخابات لخطورة الأوضاع الانتخابية، وطالبت المتسابقين بعدم استخدام العنف أو اللجوء إلى إثارة الكراهية والنعرات القبلية، كما طالبت بضرورة الالتزام بالمعايير العامة التي تساوي بين المرشحين في الوسائط الإعلامية. أحد أهم المخاطر التي تحدق بإجراء هذه الانتخابات يتمثل في كثرة الأحزاب التي تجعل من العسير على الناخب أن يميز بين المرشحين الذين قد ينتمون إلى حزب واحد عصفت المنون ببنيه، وجعلتهم فرقاً وطوائف وشرانق وشابيب شر.. فمثلاً ما الأسباب التي دفعت أحزاباً متماسكة عبر التاريخ مثل حزب الأمة، والاتحادي الديمقراطي إلى أن تتفتت وتتشرذم إلى سبعة أحزاب لكل منها؟، ألم يكن من الضروري ومن المحتم أن تنهي هذه الأحزاب خلافاتها الإطارية والجوهرية وتتوحد للحصول على حصتها الكاملة من كعكة الانتخابات الطرية؟ وهناك أيضاً أحزاب صغيرة ذات برامج جديدة، لم يسعفها الخيال الخصيب أو العقل الراجح إلى التوحد أو الالتئام لمواجهة الأحزاب التقليدية، ومجابهة حزب المؤتمر الوطني الذي استطاع ومع غياب الأحزاب الأخرى أو تغييبها – أن يبني لنفسه قلاعاً شعبية شاهقة على مستوى الولايات والمدن والبلدات. إن إتاحة الفرص المتساوية بين المرشحين تعتبر أمراً مهماً وملحاً، غير أن إتاحة الفرص المتساوية – في مجال الإعلام خاصة-لا تقاس بميزان الذهب الخالص، وحتى إذا ما توافرت النوايا الخالصة لدى الإعلاميين للتساوي بين المرشحين فإن هناك أوضاعاً أخرى تجعل الإعلاميين في حيرة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بنشاط رئيس الجمهورية الحالي اليومي الذي يضيف إلى رصيده بُعداً إعلامياً انتخابياً ملحوظاً. مشهد الأمة المكتظ بكثرة الأحزاب وتعدد المرشحين يكشف عن مشكلات أمنية وإعلامية صارخة يتوجب الاستعداد لها من الآن، لكي تتم الانتخابات في جو تسوده النزاهة والشفافية والعدالة والمساواة، وبدون ذلك تصبح الانتخابات في جوهرها استعراضاً بهلوانياً للنرجسية تضيع معه وفيه المصالح القومية العليا.. وعندها سيمسى الوطن ضائعاً تماماً، كما الشبح الذي يتعقب مصيراً مجهولاً.