حالة من الاستغراب اكتنفت الخرطوم باقتران أسماء صديق الهندي ود. أبو الحسن فرح ومواهب التوم ود. عمر عثمان، في خانة التوقيعات مع أسماء قيادات الجبهة الثورية، مالك عقار وعبد الواحد النور ومني أركو مناوي ونصر الدين الهادي المهدي واحمد تقد في وثيقة عرفت بمذكرة تفاهم بين الحركة الاتحادية والجبهة الثورية. استغراب الخرطوم بدا رسمياً من مآلات التوقيع وتأثيره على مشاريع الشراكة الحكومية بين أحزاب لها وزنها في العمل المعارض وبين المؤتمر الوطني، خصوصاً وإن المذكرة – طبقاً لبيان ممهور بتوقيع عبد الله مرسال الناطق الرسمي باسم حركة مناوي – نصت علي إيمان الطرفين بإنهاء الحرب كشرط لازم للديمقراطية، والالتزام بوحدة العمل المعارض لأطراف الحركة الجماهيرية كافة من أجل إسقاط النظام، وان الحل السلمي الشامل هو المخرج الأفضل للسودان. وتابعت الوثيقة تعريفها للأطراف الموقعة، فوصفت الحركة الإتحادية كحركة سياسية تستخدم الوسائل السلمية، بينما عرفت الجبهة الثورية كحركة سياسية تعمل بالوسائل السلمية والعسكرية كافة لإنهاء الحرب والوصول إلي حل سياسي شامل لبناء دولة سودانية تقوم على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة. ويبدو أن حالة الاستغراب، وربما الهلع عند البعض تلك، انتقلت وتحورت لتناقش مشروعية التحاور مع الجبهة الثورية، وعما إذا كان توقيعها ملزماً للفصائل الاتحادية أم أن الأمر تبادل للأدوار فيكون تمثيل الاتحاديين في كل المواقع حكومة ومعارضة؟! كثيرون يرون أن القيام بخطوات في سبيل إقناع الحركات المسلحة – غض النظر عن مسمياتها – للانضمام لمسيرة السلام أو الانحياز لخط التغيير السلمي، يمنح مشروعية المبادرة ويرفع عن المبادرين حرج الجلوس مع الجماعات العسكرية لإنقاذ البلاد من تزايد رقعة الاشتعال، ويذهبون الى ان جملة الأسماء الموقعة على الوثيقة هي أسماء معروفة بدوافعها الوطنية ولا تحتاج لإذن في ممارسة أي دور وطني. بينما يذهب المحلل السياسي المقرب من دوائر الوطني، مصطفي عبد الله، الى أن الاطلاع على الوثيقة الموقعة لا يرفع الحرج عن المجموعة الموقعة، لجهة الإصرار في ثنايا الوثيقة على الوسائل كافة لإسقاط النظام، بالتالي فإن الحركة الاتحادية الموقعة على الوثيقة تقع تحت طائلة القانون بحكم الجلوس مع مجموعة مسلحة خارجة على شرعية الدولة. لافتة الحركة الاتحادية التي تحرك تحت اسمها الوفد، أصابها رشاش الانتقاد، واعتبرتها قيادات اتحادية، مجموعة تغرد خارج السرب، وأنها استغلت الاسم دون وجه حق. وقال د. الباقر أحمد عبد الله القيادي الاتحادي بأنه لا يوجد ما يسمي بالحركة الاتحادية، وطالب المسؤولين عن الأحزاب الاتحادية بحسم ظاهرة الحديث بالاسم. وأضاف د. الباقر في حديثه ل(الرأي العام) ان أسم الحركة الاتحادية يعبر عن تاريخ وثرات وتركة مثقلة بالنضالات والتضحيات، بالتالي فلا يجب للقائمين على أمر تنظيم عمل الأحزاب السماح بتسجيل حزب باسم الحركة الاتحادية، وتابع: (لا يوجد اذاً اتفاق بين ما يعرف بالحركة الاتحادية وبين الجبهة الثورية أو الحركة الشعبية لأنه اتفاق شخصي، فالحركة الاتحادية بكل فصائلها وعبر تاريخها الطويل والممتد لم تعرف الإنقلابات العسكرية ولم تشارك في تمرد مسلح، وظلت المسيرة الإتحادية تؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير لها ولسواها، وما تم ليس له علاقة بأي تاريخ أو موروث إتحادي، خصوصاً وأن الموقعين على الوثيقة لا يمثلون ثقلاً، وما بني على باطل فهو باطل ولا يستند على أي سند تنظيمي أو قانوني). من جانبه، اعتبر د. صديق الهندي القيادي الاتحادي ورئيس وفد الحركة الاتحادية إلى كمبالا، وأول الموقعين على الوثيقة، أن ثمة تعجلاً لإجراء محاكمات في حق الوفد قبل الاستماع لما تم على أرض الواقع، وكشف في حديثه ل(الرأي العام) عن ترتيبات تنظيمية داخلية بحزبه تستوجب تنويرهم بما تم ثم الحديث عن الخطوة في الإعلام، واتفق معه في ذات الأمر أبو الحسن فرح القيادي بالأصل وقال ل(الرأي العام) أمس: (لا يجب استباق الأحداث، وسنطلع الرأي العام ما تم في حينه). وكشف صديق الهندي عن أم مراسم التوقيع النهائية تمت في الحادية عشرة ليلاً الثلاثاء الماضية بكمبالا بعد سلسلة من الاجتماعات استمرت ثلاثة أيام، قبل أن يتم نشرها فضائياً في التاسع صباح اليوم التالي. بيد أن محللين يرون أن المجموعة التي ذهبت الى كمبالا تدفعها مجموعة من العوامل، ما بين مبعد من حزبه المسجل والمشارك كصديق الهندي ثم مبعد عن الحكومة، وبين ناقم على مشاركة لم يكن فيها له نصيب أو يرفضها من حيث المبدأ كأبو الحسن فرح، وهو أمر فسره المحلل السياسي إيهاب محمد الحسن كنوع من تطمين الوطني لنفسه وقال ل (الرأي العام): إذا فرضنا أن أبو الحسن فرح يمثل تيار الرافضين للمشاركة، وصديق الهندي ناقم على عدم مشاركته في الحزب فما بال البقية، خصوصاً وإن هناك رموزاً وقيادات سبقتهم للخطوة أمثال علي محمود حسنين والتوم هجو، وجاءت د. مريم الصادق ووقعت أيضاً على مذكرة مع أحد فصائل الجبهة، ما يشير إلي أنه خط عام بدأ يستشري كقناعة في وسط قيادات المعارضة ورموزها بضرورة توحيد العمل المعارض مع الحرص على عملية التغيير السلمي. ويري محللون أن الخطوة جاءت في توقيت يعد إيجابياً لجبهة توقيع الخرطوم على اتفاق التعاون المشترك مع جوبا، ما يقلل من قوة دفعها وتأثيرها في مجمل الشارع العام، خصوصاً وأنها تزامنت وهجوم قطاع الشمال على كادوقلي ما خلق نوعاً من الغضب العام على القطاع وحملة السلاح بالتالي، فإن ذلك يجعل الخطوة معزولة النتائج. ويرجح كثيرون أن ذلك ما دفع الحزب الاتحادي الأصل إلى نفي علاقته بالأمر سواء في خطوة علي محمود حسنين أو التوم هجو أو أخيراً أبو الحسن فرح، لكن الحسن يذهب إلى أن الأسماء الاتحادية من قبل الأصل هي آخر أسماء يمكنها الخروج على مولانا أو تجاوز توجيهاته أو شق عصا طاعته. وقال: (مولانا استفاد من قيادته لتجربة العمل المعارض إبان التجمع الوطني الديمقراطي في حقبة التسعينات حتى 2005م، وأصبح يجيد التكتيك السياسي بمستوي توظيف تيارات الحزب الاتحادي غير المتسقة مع الخط المعلن في التواجد بمختلف مسارات المعارضة السودانية لضمان عدم عزل الحزب). ويرجح الرجل أن مولانا الميرغني منح الضوء الأخضر للأسماء التي اتصلت بالجبهة الثورية لضمان تمثيله فيها وفي ذات الوقت البقاء مشاركاً في السلطة. ويدلل الحسن على حديثه بغياب أية إجراءات محاسبية واضحة في مواجهة المنفلتين في حزب مولانا إذا كانوا منفلتين بالفعل. وفيما لم ترصد (الرأي العام) تعليقاً من جانب المؤتمر الوطني على تلك الخطوة حتى كتابة هذا التقرير، لكن من المتوقع أن يشن هجوماً عنيفاً عليها، فتوقيت الاتفاق والطرف الثاني لا يحملان على الاعتقاد ببراءة تلك الخطوة، وإذا كانت هناك مشقة في توحيد المواقف بين القوي المعارضة، فإن ذلك لا يتم إلا بعد توحيد المواقف الإتحادية نفسها، ومن ثم القفز للاتفاق مع الجبهة الثورية التي مازالت تحمل السلاح في وجه الخرطوم .. فهل الاتحاديون بعد هذا التوقع حاكمون، أم معارضون سلميون، أم معارضون مسلحون ربما؟ نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 15/10/2012م