عندما تشهد القاهرة انعقاد مؤتمر عنوانه “الإسلاميون وتحدي السلطة«، فإن من الطبيعي القول إن المكان مناسب والزمان ملائم، ناهيكم عن ملاءمة العنوان للمكان والزمان، ومن المنطقي جداً أن تشهد جلسات المؤتمر مناقشات ساخنة حول قدرة المشروع الإسلامي على النهوض بدول ما تسمى “الربيع العربي"التي تعاني مشكلات مزمنة في شتى مناحي الحياة . المكان مناسب لأن القاهرة شهدت طوفاناً جماهيرياً لن ينساه العالم لعقود عديدة مقبلة . ورغم أن معظم المدن المصرية شهدت حراكاً شعبياً عارماً، لكن العاصمة، وبخاصة ميدان التحرير، كانت طوال ثمانية عشر يوماً وأكثر، عاصمة العالم . الزمان ملائم لأنه يأتي بعد مرور بضعة أشهر على سقوط رموز النظام السابق وتسلّم الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمين زمام السلطة عبر صناديق الاقتراع، رغم أنهم لم يكونوا هم من حرّكوا الشارع، بل التحقوا بالحراك، من دون أن يستطيع أحد التقليل من دورهم تاريخياً في خلق أجواء معارضة للنظام . أما عن تفاصيل وصولهم للسلطة، فهذه مسألة متروكة للتاريخ، لأن الانتخابات عندما تجرى في بلد ملتهب وفي ظل انعدام الوقت الكافي لنضوج مقومات التعددية الحزبية، تفتقد للمعيارية وللقدرة على إدراك إلى أي مدى تعبّر عن رغبة أغلبية الشعب . وقد رأينا كيف فوجئ كثيرون بحجم الدعم الذي حصل عليه ممثّل النظام السابق في الانتخابات عندما تقارب عدد الأصوات التي حصل عليها مع تلك التي حققها ممثل الإخوان، وليس بعيداً عن حصيلة الأصوات التي منحت لممثل التيار القومي الناصري . لكي نتلمّس طريق الإنصاف لا يمكن محاكمة قدرة حزب أو جماعة، خلال فترة قصيرة، على إدارة سلطة ناجحة وحل مشكلات كبيرة جزء منها موروث والباقي ناشئ عن عملية المخاض . لكن هناك العديد من المؤشرات التي يمكن الاستناد إليها في عملية التقييم والمحاكمة . في الحالتين الأكثر بروزاً من حيث الطابع الشعبي للحراك والقوى ومآل السلطة للإسلام السياسي، والمقصود تونس ومصر، طفت على السطح مظاهر لا علاقة لها بقصر الفترة أو طولها . ففي تونس ظهرت انتهاكات حقوق الإنسان وكبت حرية التعبير والإعلام واضحة لدرجة اعتراف قمة هرم السلطة بوقوعها، وفي مصر ظهر انكفاء الإخوان عن حركة الجماهير الشعبية في أكثر من مناسبة وفي عناوين كانت قبل انتفاضة يناير، جزءاً من خطابهم السياسي والإعلامي ومضامين حملاتهم الدعوية . وإذا حاكمنا التجربتين وفقاً للحالة الوطنية والقومية نجد تراجعاً أوضح حتى عن الخط المعلن للنظامين السابقين . وهذا بدا واضحا وبلا حاجة لعناء الكشف عنه في تونس في مقاومة حزب النهضة الحاكم لأية محاولة لتجريم التطبيع، مترافقة أو تالية لتصريحات معلنة من جانب بعض قياداتها عن عدم احتواء الدستور بنداً يمنع إقامة علاقات مع “إسرائيل". كما بدا الأمر نفسه أشد وضوحاً في مصر إذ بالغ النظام الجديد في تأكيد التزامه باتفاقيات كامب ديفيد، وفي رسائله الوديّة للصهاينة . صحيح أن الحكم على أية تجربة يحتاج لمرور وقت أطول، لكن الصحيح أيضاً أن المكاتيب تُقرأ من عناوينها، فالجياع لا تُشبِعهم أطباق الشعارات والنصوص، والمشردون لا تؤويهم أبيات الشعر العمودي . المشكلات المزمنة مثل الفقر والبطالة والتخلّف، وانعدام العدالة الاجتماعية وغياب الحريات والتنمية، ومشكلات الصحة والتعليم واهتراء أوضاع المواصلات والعمران والبناء لدرجة وقوع الكوارث يومياً، كلّها تحتاج إلى أداة سياسية تحمل في ذاتها ومكوّناتها مقوّمات النجاح، وإلى إدارة علمية حديثة وأساليب عصرية، وإلى سياسة استقلالية بعيدة عن التبعية والصفقات، وإلى تكريس مبدأ تداول السلطة والتخلي عن منطق التكفير والتدخّل في شؤون الآخرين، وتجنّب أساليب الدكتاتورية بحلّة جديدة . المصدر: الخليج الاماراتية 12/11/2012م