ثمّة كتاب معروض أمام العالم كله، ولكن العرب يُعرضون عن قراءته . إنه كتاب المصير العربي . تلخيص هذا السفر جاء في المثل: “زيته فيه، منه يقليه«، كناية عن السمك الدسم، دهونه تقليه . صفحات هذا الكتاب مليونيات . ملايين الكيلومترات المربعة، وثلاثمئة مليون نسمة . أما الثروات فبالتريليونات، ورغم كل هذا تتناثر أرضاً وبشراً وكنوزاً، كأوراق الخريف . التفاؤل إغراء، على رأي الشاعر: “واكذب النفس إذا حدّثتها . . إن صِدْق النفس يغري بالأملْ". والتشاؤم يهدم المطامح والآمال، وهل يجدي التعلّق بالموشح: “كلّما فكّر في البين بكى . . ما له يبكي لما لم يَقعِ". إذا توهمنا أن ما يحدث ليس سوى أمر عادي، فهذه هي المهزلة . عندئذٍ وداعاً للعقل، العقل الذي له في ميراثنا مراتب عليا من المكانة لا نظير لها . على القارئ أن يختار ما شاء منها في أشعار أبي العلاء، ولكن ذلك سيظل نزراً قليلاً أمام صورة العقل في الذكر الحكيم، الذي، طبقاً لإحصائية العقاد، ورد سبعمئة وخمسين مرة، على هيئة: أفلا يعقلون، يتفكرون . . العقل العربي اليوم ينهار أمام اللاعقل العربي، أمام شراذم تدمر العروبة والهوية العربية وتشوّه كل القيم التي شادها العرب والإسلام . فعلى من تقع مسؤولية الوقوف في وجه هذا التدمير الذاتي، من داخل الأمة؟ هل تداعى الإحساس بالخطر إلى هذا الحد؟ وهل انحدرت اللامبالاة بمصير العرب جميعاً إلى هذا المستوى؟ ما يبدو واضحاً بجلاء، هو أن تغييراً جذرياً قد طرأ على خطط القوى الفاعلة عالمياً واستراتيجياتها: قلي السمكة الدسمة بزيتها: تدمير العالم العربي بفئات موجودة فيه . فلا حاجة بَعْدُ إلى غزو خارجي، وأخطر الأخطار هو استبعاد هذه النقطة من التحليل . ولكن ما فائدة التحليل من دون دعم المناعة المكتسبة ضد الفيروسات؟ أما لهذا الليل من آخر؟ للأسف، ونحن في أيام معرض الكتاب في الشارقة، وهو أعظم تتويج للحرف، نرى الأوساط المثقفة العربية، خارج لعبة المصير العربي . الرعاع هم الذين يجتاحون العالم العربي ويتحولون إلى مغول . لا شيء غير الدمار والعار والشنار . تداعي حجارة الدومينو ماضٍ بلا هوادة . والكل في فوهة البندقية والمدفع سواء . ليس لدي حل سحري، لأنني لا أرى السحر حلاً . لابد من خطة تجمع عقلاء العرب من الماء إلى الماء، للبحث عن الحل، والمثل الإنجليزي لا غبار عليه: “نحن في القارب نفسه«، أو نحن في قارب واحد . هل نترك هذه الأمة ذات المليونيات المذكورة أعلاه، لتصبح ريشة في مهب الريح؟ ولأبناء هم أسوأ من الأعداء؟ لزوم ما يلزم: كتاب المصير العربي مخيف، خصوصاً عندما تصلون إلى الصفحة الأخيرة، وترون أنه صار كله مثل العراق وسوريا . المصدر: الخليج 13/11/2012م