لم يستلفت خبر اللقاء الذى جرى مؤخراً بين السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ود. علي الحاج القيادي بالشعبي وياسر عرمان عن قطاع الشمال بالعاصمة البريطانية لندن أحداً، فقد صار من المعتاد والمألوف -ربما بصفة شبه يومية- أن يلتقي فرقاء فى المعارضة السودانية لا يجمع بينهم لا رابط ولا فكرة ويصيغوا أروقاً أو وثائقاً ثم يمهرونها بتوقيعاتهم ومن ثم يدفعون بخبر التوقيع الى الاعلام والصحف مصحوباً بصورة فوتوغرافية باسمة . الأمر طبيعي؛ وبات يجري فى سياق روتيني تماماً مثل ما يضع موظفي الخدمة المدنية توقيعاتهم على طلبات المتعاملين مع مؤسساتهم الخدمية يومياً. غير ان ما إستلفت إنتباه البعض ولم يستلفت إنتباه الكثيرين ممن تناقلوا الخبراللندنيّ البارد، هو أن الذى وضع توقيعه نيابة عن حزب الأمة القومي، جنباً الى جنب مع توقيعات د. علي الحاج وعرمان، هو نصر الدين الهادي المهدي! والأكثر إستلفاتاً للإنتباه أن السيد نصر الدين الهادي وضع توقيعه على الوثيقة اللندنية بوصفه (نائباً لرئيس حزب الامة القومي) وفى حضور رئيس حزب الأمة نفسه السيد الصادق المهدي! مكمن الغرابة فى هذا المشهد ان السيد الصادق المهدي ومنذ إلتحاق نائبه وإبن عمه نصر الدين الهادي بما يسمى بالجبهة الثورية ظل يتبرّأ من نائبه بإستمرار، ويؤكد فى كل (فرقعة) يحدثها نصرالدين داخل الثورية أن (نصر الدين ليس منا)! إستخدم المهدي طوال عام ونيف كل أساليبه السياسية واللغوية المعروفة فى الدفاع عن حزبه، وعدم إرتباطه بما فعله نصر الدين فى الثورية. وكان أكثر ما يثير استغراب المراقبين ان نصر الدين هذا ليس مجرد عضو فى قاع عضوية الحزب أو على هامشه ممن لا يستلفتون الانتباه وإنما هو عضور بدرجة نائب رئيس الحزب، أي أنه – فى حالات الطوارئ – يساوي تماماً رئيس الحزب ويصدر قرارات بذات صلاحية الرئيس وله ذات قوة القانون التى لرئيس الحزب. كيف لرجل بهذه الدرجة ان يعتبره رئيس الحزب (لا يمثل الحزب وليس من الحزب)؟ لقد تكفلت المصادفات أو غير المصادفات هذه المرة فى الافصاح بصفة قاطعة عن طبيعة اللعبة السياسية التى ظل يلعبها المهدي على طريقة البيضة والحجر. المهدي هذه المرة خانة ذكاؤه السياسي حين أوقع نفسه في حبائل الجبهة الثورية ذات صباح لندنيّ غائم! حضور نصر الدين اللقاء كهذا فيه عرمان، هو دون شك حضور للثورية ومن المستحيل ان يظهر نصر الدين فى لقاء خارج هذا الاطار الذى كلّفه عدم التفكير فى العودة للخرطوم! إن الأوراق التى وقعها نصر الدين نيابة عن حزب الأمة فى لندن حتي ولو كانت تعتمد العمل السلمي لإسقاط السلطة الحاكمة فى الخرطوم وطالما أن الذي وقعها هو نصر الدين الهادي، وطالما أنه لم يعلن خروجه من ما يسمي بالجبهة الثورية ولا يزال قيادياً فيها، وطالما أن السيد الصادق ورغم علمه المسبق بإنتماء نصر الدين الى الجبهة الثورية ومع ذلك فوّضه بالتوقيع؛ فإن الافتراض هنا أن نصر الدين يمثل حزب الامة وهو فى ما يسمى بالجبهة الثورية ومن ثم أيضاً يصبح من المنطقيّ إفتراض ان حزب الامة القومي هو بالضررة عضو فى ما يسمى بالثورية. هناك بالاضافة الى هذا الدليل السياسي الساطع قرائن أخرى يمكن استخلاصها بسهولة من خلال مواقف سابقة لحزب الأمة، فقد أبرم حزب الأمة إتفاقيتين أحدهما مع حركة العدل والمساواة – قبل عام ونيف – والأخري مع حركة مناوي قبل أشهر قلائل وهاهو الآن يعقد إتفاقاً مع قطاع الشمال فى لندن وهذه المكونات الثلاثة هى العناصر الرئيسية المكونة لما يسمى بالجبهة الثورية وبالتالي يمكن القول – بصرف النظر عن فحوى الاتفاقات الثلاث – أن الأمة القومي (يمد حبلاً بطريقة) ذكية داخل العناصر المكونة للجبهة الثورية ويضع نفسه بداخلها بطريقة يعتقد أنها وافرة الذكاء قد تغيب عن فطنة المراقبين. غير أن المهدي بهذه الطريقة – للأسف الشديد – يضفي على مواقفه السياسية لوناً رمادياً من المستحيل أن يتيح له اللعب فى المعلب الذى لا يتسع إلاّ لفريقين باللونين الابيض والأسود!