حتى لحظة كتابة هذا المقال تبدو بداية المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية الذي يختتم أعماله اليوم السبت هادئة، لكنه هدوء يتوجس منه البعض أن تعقبه (عاصفة).. المتخوفون والمتشككون يخشون من أمرين يريد لهما المنتفذون في السلطة أن يكونا متلازمين؛ قصر اختيار الأمين العام على مجلس شورى الحركة وهو الدائرة الأضيق من المؤتمر العام، والأمر الآخر إقرار مبدأ قيادة عليا للحركة.. معروف أن المؤتمر العام هو السلطة الأعلى في الحركة وتبلغ عضويته (4) آلاف عضو وهو الذي يختار أعضاء مجلس الشورى بيد أن البعض وبناءً على تجارب سابقة يرى أنه من السهل السيطرة على مجلس الشورى من قبل التيارات المتنافسة داخل الحركة وبالتالي فإن اختيار الأمين العام لابد أن يقوم به المؤتمر العام.. كذلك يرى أولئك المتشككون أن إقرار قيادة عليا يعني تفريغ منصب الأمين العام الجديد من محتواه ليغدو مجرد (سكرتير) وفي أحسن الأحوال مقرراً للقيادة العليا الجديدة. ومما أثار بعض الارتباك حضور الرئيس "عمر البشير" متأخراً بعد بدء فعاليات المؤتمر بحوالي ساعتين خاصة أن هناك (70) رمزاً من رموز الحركات الإسلامية حول العالم كانوا حضوراً من أبرزهم المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين في مصر "محمد بديع"، و "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) الفلسطينية، و "راشد الغنوشي" رئيس حركة النهضة في تونس.. لكن بعد ذلك أضفى حضور "البشير" المتأخر جواً من الطمأنينة والسكينة وأزال حالات التوتر والتوجس وتأويل عدم الحضور على أنه (موقف) سالب من الحركة الإسلامية السودانية التي أصبح العسكر ينظرون إلى دورها بريبة بعد ما عرف بالمفاصلة حين انشقت الحركة إلى جناحين الأول انحاز إلى "البشير" والثاني انحاز إلى الدكتور "حسن الترابي" الأمين العام الأسبق.. تأخر الرئيس لم يعرف سببه لكن البعض يشير إلى أنه (موقف) سلبي تراجع عنه في آخر لحظة بعد نصيحة من مستشاريه وخاصته.. غير أن خطاب "البشير" أمام المؤتمر كان هادئاً وخالٍ تماماً من التوتر حدد فيه إطارا لعمل الحركة في الفترة القادمة، الإطار حصر عمل الحركة في مجال الدعوة والصلاح الاجتماعي، أي أن "البشير" دعا الحركة بوضوح للبعد عن السياسة، وطالبها بتقوية نسيج المجتمع السوداني بتعميق قيم الدين وتحصين الشباب ضد الثقافات الغربية ومواجهة الصراع الهدام الذي يسعي إلى زرع القبلية والجهوية.. "البشير"لم ينس أن يُحييّ وينوه مشيداً بطرح الحركة للبديل المرتكز على الشريعة وقال إنها غيرت ثقافة أهل السودان من التبعية والاندفاع نحو الغرب.. مضيفاً أنها تميزت بمبادراتها القوية في الحياة العامة ومقاومة التيارات العلمانية والشيوعية. كانت المنافسة القوية بين المرشحين لرئاسة المؤتمر الدكتور "الطيب إبراهيم محمد خير" والبروفيسور"عبد الرحيم علي" في مستهل الجلسة الإجرائية كشفت عن بعض اتجاهات المؤتمرين.. ربما كان البروفيسور "عبد الرحيم" الأنسب لرئاسة المؤتمر من منطلقات موضوعية لكن فوز "الطيب" وهو وزير سابق وأحد الفاعلين في نظام الحكم، كان مؤشراً لرغبة المؤتمرين في نفض الغبار عن القيادات المنسية أو المبعدة لسبب أو آخر ولولا ذلك السبب لحصل "عبد الرحيم" على أغلبية مطلقة.. بروفيسور "سعاد الفاتح" القيادية الإسلامية المعروفة ثنت ترشيح "عبد الرحيم" ولم تغفل أن تقوم (بدعاية) انتخابية لصالحه معددة مناقبه.. أثناء التصويت للبرفيسور "عبد الرحيم" برفع الأيدي، أظهرت شاشات العرض الكبيرة الدكتور "نافع علي نافع" نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الجناح السياسي للحركة رافعاً يده مصوتا لصالح "عبد الرحيم" فارتفعت أصوات البعض مبدين فرحتهم واعتبر ذلك أيضاً (دعاية) لصالح "عبد الرحيم" الذي بدا واضحاً يمثل رغبة السلطة التنفيذية.. رغم كل ذلك فاز "الطيب" بأغلبية كبيرة ولم تشأ المنصة أن تعلن عدد أصوات كل منهما ولم يطالبها أي عضو بذلك.. إذن رغم أن رئاسة المؤتمر تنتهي بالطبع بانتهاء المؤتمر اليوم السبت لكن فوز "الطيب" له أكثر من دلالة مهمة منها رفض (إملاءات) السلطة التنفيذية. هناك بالفعل إحباطات وأخطاء جعلت بعض (الخُلصاء) البحث عن طريق ثالث بين حزبي المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني جناحا الحركة بعد المفاصلة.. الطريق الثالث محاولة لإنشاء حزب يتجاوز حالة القطيعة المستعصية بين الجناحين.. سبق ذلك ما عرف بمذكرة الألف أخ.. المذكرة كانت نوعا من أنواع التظاهر ضد راهن الحركة السياسي.. المذكرة تناولت انتقادات (مؤلمة) لمآلات الوضع السياسي في السودان، أهمها ما أسمته المذكرة (انحراف عن جادة الطريق) أو على ما يبدو لهم تخلياً عن الأهداف (السامية) التي من أجلها صعدت الحركة الإسلامية وجناحها السياسي (المؤتمر الوطني) لسدة الحكم في السودان. ليس إسلاميو السودان وحدهم تنالهم أقلام النقد ولكن الإسلاميين عبر التاريخ ومنذ الخلافة الإسلامية متهمون بالجموح المتزايد إلى الدفاع عن ممارستين شاذتين: (ممارسة السياسة في الدين)، بإخضاع الإسلام إلى مطالب السياسة والمصلحة والصراع، و(ممارسة الدين في السياسة)، من خلال بناء موقع قوي فيها باسم المقدس.. هل ينزع الإسلاميون سواء في السودان أو غيره إلى استثمار المقدس الديني وتوظيفه في المعارك الاجتماعية المختلفة، خاصة في المعركة السياسية من أجل السلطة، حيث إنهم يحاولون رد الاتهام عنهم بأنهم مجرد (تجار) سياسيين بالدين بقولهم (الإسلام دين ودولة). المصدر: الشرق القطرية 17/11/2012م