الدعوة التي أطلقها القيادي الأحمر فاروق أبو عيسى رئيس ما يسمى بتحالف قوى الإجماع في مؤتمره الصحفي بدار الحزب الشيوعي الأربعاء وطالب فيها شباب وقيادات الحركة الإسلامية للانضمام إلى صفوف الشعب المعارض للنظام واصفاً مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير بأن القصد منه مواجهة سلامية ثورة شباب الحركة الإسلامية وقال "نحن نمد أيادينا إليهم"، من شأن تلك الدعوة أن تعيد القراءة مرات ومرات إلى تجمع أبو عيسى الذي يبدو انه قد خلص يأساً وإحباطا من قيادات وشباب المعارضة لتحريك خمسة عشر رجلا فقط ليهتفوا بإسقاط الحكومة ، لكن ذلك لم يحدث إلى الآن ، فكان اتجاه أبوعسيى هذه المرة نحو قيادات وشباب الحركة الإسلامية محاولة منه للاصطياد في المياه العكرة بدعوتهم للإلحاق بركب تجمعه (البائر)، ولكن أنى يستجاب له؟!. ودعوة أبو عيسى الأخيرة جاءت في ثنايا توقيع قوى الاجتماع بما يسمى وثيقة الإعلان الديمقراطي للفترة الانتقالية، وهي الخطوة التي جاءت بعد أكثر من سبع سنوات من الضياع والارتباك والتيه والضلال ، لتأتي الأربعاء وتحقق انتصارا تراه غالياً ، تمثل في التوقيع على ما يسمى وثيقتي البديل الديمقراطي والإعلان الدستوري المقترحتين لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي تعقب -بحسب زعمهم - إسقاط النظام، بحسب تخطيط المعارضة له. ويقر الإعلان الدستوري، الذي أعدته المعارضة، مجلس سيادة ومجلس وزراء ومجلسًا تشريعياً، كما أقر البديل الديمقراطي للمعارضة فترة انتقالية لثلاث سنوات. واتفقت المعارضة في برنامجها الانتقالي على إلغاء نظام الحكم الاتحادي الراهن. كان قادة المعارضة قد اتفقوا في اجتماع سابق، مبدئياً، على الوثيقتين في اجتماعهم قبل الأخير في مقر الحزب الوطني وحددوا يوم 26 من يونيو الماضي موعدًا للتوقيع النهائي، فشل حينها قادة المعارضة في الخروج باتفاق الحد الأدنى حول أهدافهم التي يقولون أنها مصيرية يأتي مكملا كما يقول مراقبون للفشل العريض الذي ظلت تحققه تلك القيادات طوال حكم الإنقاذ الذي أمتد لثلاثة وعشرين عاما ، قادة المعارضة الذين يحسبهم البعض (جميعا) إلا أن قرائن القوال وتسبقها الأفعال تؤكد أن قلوب هؤلاء القادة لازالت شتى ، ويشهد على ذلك الاجتماع الأخير الذي جاء كمحاولة أخيرة من قادة المعارضة لاستغلال الظرف السياسي والأمني الذي تعيشه الساحة السودانية هذا الأيام في أعقاب قيام بعض الاحتجاجات على الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة لتغطية عجز الموازنة الذي خلفه خروج نفط الجنوب منها ، وكان قادة المعارضة يحلمون بأتساع دائرة الاحتجاجات لتحل دونها الفوضى مما يولد كما خططت المعارضة انتفاضة شعبية تطيح بالحكومة الحالية التي أتى بها ذات الشعب الذي راهن عليه هؤلاء القادة. والمراقب لجملة المشهد يلحظ الخلفية التي أعد بها قادة المعارضة لسيناريو امتداد الاحتجاجات في الشارع السوداني حيث كانوا يمنون النفس بخروج الشعب بحيث لا يتخلف أحداً احتجاجا على تلك القرارات ، حيث استبقوا تلك الاحتجاجات ب (وقفة) احتجاجية جاءت على حياء من عدد من رؤساء قوى المعارضة في خواتيم الأسبوع قبل المنصرم وقالوا حينها أنها تأتي لتحذير الحكومة من إلغاء الدعم عن المحروقات. المواقف السابقة وفيما يبدو اللاحقة لازالت تثبت للشارع السوداني تناقض مواقف (أحزاب المعارضة) حول أخطر المواقف التي تحدد مصير البلاد، وتعارضها مع بعضها البعض. فإذا لم يتسن لتلك القوى الاتفاق واتخاذ موقف موحد حول أمهات القضايا التي تواجه الشعب والوطن كقضية الوحدة بين الشمال والجنوب قبيل الانفصال العام الماضي ، فكيف سيتسنى لها الإجماع حول القضايا الأخرى التي لا تقل أهمية عن وحدة البلاد، لكن الإجماع حولها يتطلب الكثير من الصبر، وبذل الجهود، وتوفير العديد من العناصر والموارد التي لا قبل لقيادات تلك الأحزاب بها ؟! وإذا ما تأملنا مواقف الأحزاب المكونة لما يعرف بقوى الإجماع الوطني من جميع القضايا الأخرى قياسا إلى مواقفها من قضية الوحدة والانفصال فسنرى مدى الاتساق في التعارض والتناقض الذي تتصف به تلك المواقف. وليس أدل على ذلك من موقفها من الانتخابات الأخيرة، حيث قاطع بعضها، وشارك الآخر، وتذبذب ثالث حتى الساعة الخامسة والعشرين.و أثبتت تجربة ما بعد نيفاشا، وحتى وقتنا الراهن، العشوائية التي ميزت أسلوب عمل أحزاب قوى الإجماع الوطني، وركونها الى الكسل الذهني الذي حنط أفكارها وجعلها رهينة مرحلة ما قبل الاتفاقية. لذلك فقد عجزت عن إدراك أبعاد تلك الاتفاقية، والواقع الجديد الذي أحدثته على الخريطة السياسية بالبلاد بعد انفصال الجنوب، وبالتالي عجزت تلك الأحزاب عن استنباط برامج وسياسات جديدة لتناسب المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، ولتتمكن من خلالها من استنهاض عضويتها من الكوادر الشابة، وتفجير طاقاتها لمواجهة التحديات التي فرضتها عليها المرحلة السياسية. ومع مرور السنين اثبتت التجربة أن المعارضة لا تزال تعاني من مشكلة جوهرية واحدة، وهى كيف تقود نفسها. وفقدان القائد الملهم والمجمع عليه ففي أحزاب قوى الإجماع وقد إمتدت بها سنوات العمر لم تستطع حتى الآن أن تستقر على قيادة بعينها؛ ويشهد على ذلك التنازع الأخير بين فاروق أبو عيسي و الصادق المهدي ثم عاد فاروق نفسه لينازع هالة عبد الحليم ثم محاولة أحزب اليسار أن تتسيد قيادة المعارضة ولكن لم يُكتب لها النجاح حتي الآن، بحيث يمكن القول إن قوي الإجماع هذه عاجزة عن الاجماع على قيادة أو حتى هياكل قيادية أو نظام سياسي أو برنامج سياسي أو الحد الأدنى من الرؤية الوطنية التى يمكن أن تجمع بينهم.فالوقائع والشواهد السياسية إذن نحن أمام داء سياسي فتاك يعبث بأجساد هذه المكونات السياسية فى السودان والتي تعاني أول ما تعاني من وحدة الهدف ووحدة القيادة وإنعدام السند الجماهيري، لهذا فإن من غير المنظور ولعشر سنوات قادمة أن تحقق هذه القوى المعارضة أدني قدر من ما تهدف إليه. والواقع يقول أن أحزاب المعارضة غير قادرة على توحيد نفسها، وقد رأينا كيف ماتت جبهة الخلاص الوطني التى كُونت قبل نحوٍ من ثلاثة أو أربع سنوات بقيادة أحمد إبراهيم دريج، وحركة العدل والمساواة، وبعض الحركات الدرافورية المسلحة، كما رأينا كيف ماتت الجبهة العريضة التى روّج لها قبل نحو من عامين على محمود حسنين فى العاصمة البريطانية لندن، وأعطاها زخماً وكأنها الطوفان القادم لاقتلاع السودان بأسره وليس فقط الحكومة السودانية ؛ فهذه المسميات لا تعدو كونها مسميات وهياكل فارغة وهشة، ومن السهولة بمكان أن تهتزّ فى أول اختبار لها. إذاً فأزمة التحالفات المعارضة فى السودان إنها قائمة على الأحلام وقدر من الأوهام، وفى نفس الوقت تستهين بالسلطة الحاكمة ولا تضع اعتباراً لرأى المواطن السوداني الذى يتمتع بقدر مهول من الذكاء ولديه الخبرة الكافية بشأن هذه القوى المعارضة التى جرّب معظمها الحكم وأخفق وفشل، ومن الصعب أن يمنحها المواطن السوداني الثقة التي نزعها عنها.