فى محاولة منه على ما يبدو لتصويب نظر المجتمع الدولي -من جديد- بإتجاه السودان كتب الناشط الأمريكي (إيريك إيفز) تقريراً مطولاً خصصه بالكامل للنزاع المسلح فى ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الازرق. كانت المفارقة ان الناشط الأمريكي وعوضاً عن خلو تقريره من الاحصائيات الموثقة والحقائق التي يمكن إسنادها الى مرجع من المراجع للتحقُق من صحتها إستلف عبارات ومفردات ليست مألوفة عادة لدي (الأجانب) الذين يتناولون الشأن السوداني، والأغلب أن إيريك -بطريقة ما- تتلمذ قبل أن يخط تقريره هذا على يد (أحد الأساتذة) السودانيين المعارضين الذين حرصوا على تزويده بمفردات هتر وهرطقة كانت فى حد ذاتها كافية للتأكيد ان التقرير مجرد هتاف سياسي لا أكثر ولا أقل. فعلي سبيل المثال يقول إيريك (إن حكومة الجبهة الإسلامية فى الخرطوم تتعذّر بحربها ضد التمرد لتبرير عمليات التجويع ضد شعب النوبة). موضوعياً ليست هناك حكومة بهذا المسمى فى السودان وليس من المألوف ان يستخدم ناشط أجنبي مثل هذه المفردة إن كان يتبع سبيلاً موضوعياً فى مقاله ويرمي لأهداف موضوعية جادة. فإن كان مقصد كاتب التقرير الموضوعية إرسال رسالة جادة وعميقة بأوضاع انسانية فى جنوب كردفان والنيل الازرق، فقد كان حرياً به أن يحترم عقول القراء والمطلعين بالابتعاد عن المهاترة وإيراد المسميات البعيدة كل البعد عن الواقع. كان واضحاً ان الرجل متأثر بإملاءات من جهة سياسية سودانية معارضة –وللأسف الشديد– فشل الرجل فشلاً ذريعاً فى مداراة ذلك وإعتقد خطأً أن التعبير الذى استخدمه يجتذب المعارضين والمجتمع الدولي! تحدث ايريك أيضاً - هكذا بعبارات فضفاضة وكما أسلفنا دون ارقام ولا احصائيات ولو من باب التخمين المناسب لإعطاء تقريره قدر من الموضوعية عن ما أسماه الجوع فى جنوب كردفان والنيل الازرق ونتيجة لجهله بالمنطقة وإفتقاره للتفاصيل لم يستطع ايراد اسم منطقة واحدة من مناطق الولايتين، حيث لا يُعقل طبعاً أن تكون الولايتين - هكذا جميعها وبكامل مساحتها - تعاني من الجوع! بل حتى المناطق التى قال إن المتمردين يسيطرون عليها لم يشر الى إسم واحد فقط منها! فكيف يريد الكاتب ان يقنع العالم بحقيقة ما يقول وهو لا يعرف أيّ منطقة يقصد، بل إن سؤالاً مهماً يبرز هنا حول عدم توجيه رسالة من جانبه - طالما كان حريصاً على الوضع الانساني - الى المتمردين فى المناطق التى يسيطرون عليها لمدِّه - تفصيلاً - بالمناطق التى تعاني الجوع، ولماذا تعاني الجوع؟ الناشط إيريك ايضاً يتحدث بذات الطريقة الانشائية عن عدم قبول الخرطوم لمقترحات المبادرة الثلاثية لإغاثة المتضررين فى الولايتين، وهى دون شك أكذوبة كبرى لم يتورع الرجل عن إيرادها على هذا النحو فالمبادرة الثلاثية هى وحدها التى أخفقت لأسباب تخص الجهات التى بادرت بها وليست الحكومة السودانية. ثم مضى ايريك للحديث عن إحتمال وقوع انفصالات جديدة فى السودان فى دارفور والنيل الازرق إذا لم يتدخل المجتمع الدولي! لعل أغرب ما في هذا الحديث (الاستخباري) الطابع أنه أقحم دارفور إقحاماً فى الموضوع، فقد كان التقرير مخصص للأوضاع الانسانية فى جنوب كردفان والنيل الازرق فإذا بالرجل يقحم دارفور هكذا فجأة دون مقدمات فى إحتمال حدوث إنفصال! من المؤكد أنَّ من باب إهدار الوقت والجهد التعليق على هذه الفقرة إذ يكفي ان ايريك -كناشط ينطلق من منطقلات معينة- يترك العنان لعقله الباطن للحديث عن (خطط دولية معدة مسبقاً) لفصل المزيد من الاقاليم السودانية، وإلا كيف إتفق ان تكون المعادلة هكذا، إمّا أن يتدخل المجتمع الدولي لمعالجة الاوضاع فى المنطقتين جنوب كردفان والنيل الازرق؛ أو أن ينفصل اقليم دارفور والنيل الآزرق! أما أغرب ما أورده ايريك فهو إشارته الى ان الحكومة السودانية لا تريد حلاً للأزمة مستشهداً بتصريحات والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون برفض التفاوض مع قطاع الشمال والحديث معه بلغة السلاح. فقد بدا وكأنّ (إيريك) لا يعرف شيئاً تماماً عن الهجمات الصاروخية المتواصلة من جانب قطاع الشمال على مدينة كادوقلي حاضرة الولاية وصواريخ الكاتيوشا التى ظلت تطلقها! إن من الواضح ان التقرير بمثابة حملة دعائية لمحاولة تأليب الرأي العام الدولي على السودان ولكن إيريك لسوء الحظ لم يكن بالمستوى الفنيّ المطلوب!