زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي للخرطوم يمكن اعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح وهي خطوة منتظرة منذ فترة نظراً لتعلقها بحل الكثير من الأزمات والمشاكل التي أقحم البلدان فيها. فالسودان وتشاد بحاجة لمثل تلك الملطفات من أجل حلحلة الكثير من الملفات العالقة بينهما والتي أدى تجاهلها أو إهمالها لتضخمها وتداخلها مع بعضها البعض. ما تريده تشاد من السودان هو بالضبط ما يريده السودان من تشاد، أي ان البلدين يعرفان بالضبط ما يريدان من بعض وأنه لو تم التوصل لاتفاق حول موضوع واحد فإن الباب سيفتح على مصراعيه لحل كافة الموضوعات العالقة والتي من أبرزها سلاح المتمردين الموجودين على الجانبين والذين تستخدمهم كل حكومة ضد الحكومة الأخرى. يذهب البعض إلى التقليل من شأن ذلك التقارب على اعتبار أن البلدين تقاربا أكثر من مرة في السنوات القليلة الماضية ولكن ذلك لم يمنع قيام كل طرف باستخدام أدواته للضغط على الطرف الآخر حتى ان الأزمة وصلت إلى درجات خطيرة ومتقدمة لا يمكن أن تحدث بين بلدين أبرما للتو اتفاقا فيما بينهما. وعلى هذا الأساس فإن رؤية المحللين للاتفاق والتقارب الجديد ليست أفضل حالاً من سابقتها ويرون أن ما تم بين البلدين مؤخراً لا يعدو أن يكون مجرد ديباجة أو مقدمة لخطاب انتخابي يضمن لصاحبه الفوز في الانتخابات والإبقاء على كرسي الرئاسة في حوزته حيث يستعد البلدان لانتخابات حاسمة يمكن أن تغير الكثير من واقع الحال سواء على مستوى الداخل أو الخارج. قد تكون حاجة البلدين الماسة في هذا الوقت بالذات للتقارب والاتفاق حتمت عليهما مثل هذه الخطوات التي لن تأتي بالنتائج المرجوة ولا حتى الحفاظ على الهدوء النسبي على حدود البلدين، غير أن هذا التحرك يجب أن لا ينظر له من هذا البعد فقط على اعتبار أن تحقيق السلام بين البلدين فيه تحقيق لشيء من السلام في العالم العربي والإسلامي الذي هو بحاجة ماسة لمثل هذه الخطوات التي يمكنها أن تبرد من سخونة خطوط التماس والجبهات الملتهبة التي تعددت مواقعها في السنوات الأخيرة حتى بات الوطن بطوله وعرضه ساحة لمثل تلك البؤر الملتهبة. فالسودان مثلاً محتاج للسلام مع تشاد من أجل إغلاق ملف دارفور والتفرغ لمشكلة الجنوب التي أصبحت مهمة لدرجة أن مصر تحركت أخيراً لتعلن عن مخاوفها من تأثير انفصال الجنوب على أمنها القومي عندما عبرت عن رغبتها الإبقاء على السودان الموحد الذي ترى أنه أفضل وأكثر تأميناً لإقليم وادي النيل الذي لم يعرف طوال تاريخه مثل هذه التجزئة التي سيقتطع معها حصة السودان ومصر من مياه النيل الذي يعد شريان الحياة الرئيسي لسكان هذا الوادي. ربما يفشل هذا التقارب بين البلدين أو قد لا يؤدي إلى النتائج المرجوة إذا ما ظل مصير الملفات العالقة وخصوصاً ملف دارفور بأيدي القوى الأجنبية التي لها مصالح كبيرة في استمرار تلك الأزمة للضغط على السودان وشغله عن بقية القضايا المصيرية التي تتعلق بأمنه واستقراره ووحدة أراضيه. فالولاياتالمتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية لن تنظر لهذا التقارب بارتياح لأن في نجاحه دحر لمخططاتها ودحضا لكل حججها وإرباكا لمخططاتها التي صنعت مشكلة الجنوب ومن بعده دارفور وغيرها من القصص التي يعاني منها السودان وتشاد وكل الدول الإفريقية بشكل مستمر. أرى أن قطع الطريق على الولاياتالمتحدة وأعوانها في المنطقة والعالم بات ممكناً إذا ما وجد التقارب السوداني التشادي من يدعمه ويأخذ بيده خصوصاً من دول الجوار التي يمكن أن تتضرر جراء استمرار الصراع ونجاح المخططات الرامية لتجزئة السودان وتمزيق أجزائه. والدعم المطلوب هنا هو توفير بيئة آمنة وحاضنة لمثل تلك الاتفاقيات تضمن سلامتها وعدالتها ومن ثم متابعة تطبيقها ومنع أي طرف التنصل منها إذا ما انقضت الغايات التي دفعته لقبولها والتوقيع عليها أو نتيجة تعرضه لضغط من أي نوع من قبل أي طرف لا ينشد الخير للبلدين ولا للمنطقة ولا للعالم، فبمثل تلك الإجراءات الحازمة يمكن أن نؤسس لحزمة من الاتفاقيات التي بمقدورها حل الكثير من الأزمات والتوترات والتجلطات والترسبات الموجودة بكثرة داخل الجسد العربي والإسلامي. المصدر: الوطن القطرية 17/2/2010