الرفض الذي غلفته جوبا بمصطلح (التحفظ) على المصفوفة التي تقدمت بها الوساطة الأفريقية للطرفين، مؤخرا! مقابل موافقة الخرطوم عليه بشكل مجمل ، من شأنه أن يعيد التفاوض بين الدولتين إلى المربع الأول خاصة وأن خبراء بالآلية الأفريقية رفيعة المستوى يرون في تحفظ الجنوب عقبة في طريق المفاوضات، ومع ذلك فإن الآلية بدأت في مناقشة التحفظ الجنوبي لتجاوز هذه العقبة التي صنعها قادة جوبا الذين يهدفون من وراءها ، إيقاف وفشل المفاوضات، انتظارا منهم لتدخل مجلس الأمن الدولي ، لحل النزاع بينها والخرطوم على الوجه الذي يرضي هؤلاء القادة ، فشواهد العملية التفاوضية والرصيد المحبط التراكمي لهؤلاء القادة يوضح جلياً أنهم يعملون على عرقلة التفاوض – بخارطتهم المتعددة وشروطهم التعجيزية المتتالية . ولأسباب ودواعي تكتيكية معروفة يتوق قادة الحكومة الجنوبية لإحالة نزاعاتهم الحدودية مع السودان إلى التحكيم. وقد عبَّر عن ذلك في أكثر من محفل الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت. الحكومة السودانية من جانبها - رداً على الطلب الجنوبي – قالت إنها لم تسقط خيار التحكيم تماماً من خياراتها، ولكنها – بحسب الناطق باسم الخارجية – لا تري اللجوء إلى هذا الخيار إلاّ بعد استنفاذ كافة الخيارات الأخرى المؤدية للتسوية، وشكك المتحدث باسم الخارجية في جدية الحكومة الجنوبية في مواصلة التفاوض باعتبار أنها تنتهز السانحة لتعرقل عملية التفاوض برمتها انتظارا لنتيجة التحكيم. إذا، فقادة جوبا يدركون جيداً أهمية عامل الزمن، في ظل قناعة راسخة بأنها دوماً خارج نطاق العقوبات الملوح بها اممياً مهما تعنتت، قناعة عبرت عنها تعنتات جوبا وتمسكها بالاستحواذ على مناطق من خارج دائرة النزاع وضمها قسراً إلى خارطتها محل الجدل في الوقت الذي اكتفي مفاوضو السودان بتبرير موقفهم الرافض الالتزام بما سبق اعتماده من خرائط في سياق الاستفتاء وتقرير المصير ونيفاشا من قبلهما، الأمر الذي يؤكد تمتع الوفد الحكومي بقدر عال من التهذيب المعقول الذي لا يحتاجه التفاوض بقدر ما يحتاج أحياناً للاستفزاز، والخروج عن المألوف لإفشال محاولات العرقلة وكسب الزمن، واللعب على المكشوف أحياناً أخرى. وتقدمت الوساطة الإفريقية بقيادة تابو امبيكي بمقترحات جديدة تهدف إلى مساعدة الخرطوموجوبا على تطبيق اتفاق الترتيبات الأمنية الموقعة في 27 سبتمبر بعد عجزهما في الفترة السابقة عن ذلك بسبب تمسك السودان بنزع سلاح الحركة الشعبية قبل تنفيذها. و تضمنت المقترحات وضع خطة محكمة لبناء الثقة بين الطرفين والشروع في إنشاء منطقة عازلة وضمان عدم إيواء المعارضات المسلحة على الجانبين ومراقبتها عن كثب بواسطة لجنة تضم خبراء ووسطاء دوليين ومسؤوليين حكوميين من الطرفين وتضمنت ملاحظات الجانب السوداني ضرورة فك الارتباط بين الفرقتين العاشرة والتاسعة وإنشاء منطقة عازلة لمسافة تمتد الى 50كلم تشمل ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان لتجفيف منابع الدعم لمتمردي قطاع الشمال الذين يقاتلون الخرطوم منذ يونيو 2011 . وكانت الملاحظات التي طرحت من الجانب السوداني قد قوبلت برفض من مفاوضي حكومة الجنوب لكن كبير الوسطاء الأفارقة ثابو امبيكي نقل لمقربين انه سيجد حلولا وفاقية ترضي الطرفين في الجولات المقبلة. ويرى مراقبون أن ما يقوم به قادة الحركة الشعبية في دولة الجنوب يعد نوعا من العبث السياسي ، مطالبين هؤلاء القادة بالفصل بين ما هو استراتيجي ويحقق مصلحة شعب ، وبين مواقفها التكتيكية، خاصة وأن القضايا والأهداف الإستراتيجية ينظر إليها من خلال أرضية حقيقية ومقومات متوافرة في الواقع السياسي ، أما التكتيك فهو الإيحاء بوجود هذه الأرضية وتلك المقومات، ويضيف الإفراط في الإيحاء يعد كذباً سياسياً، ولا يرتبط باللعبة السياسية بحال من الأحوال.فقادة الحركة الشعبية – بحسب الشواهد - لا يملكون القدرة الحقيقية على تنفيذ تكتيكاتهم تلك وتقف عند حدود التصريحات الإعلامية، عموما فإن مراقبون يؤكدون أن الطريق الوحيد لوقف تكتيكات قادة جوبا هو إيقاف عبثها هذا بوقف التفاوض فورا معها ووقتها فقط سوف تصل الأمور إلي أن تتعري جوبا تماماً وتصبح غير قادرة علي استخدام أيّ تكتيك، وحينها تضطر إلي فتح الملف الاستراتيجي لتواجه حقائق الواقع وما ذلك الزمان ببعيد!