لم يكن فاروق أبو عيسى يدرك أنه أدخل تحالف المعارضة بكامله فى مأزق سياسي نادر حين نفى تبنِّي التحالف للعلمانية أو الإسلام. ربما بدا الأمر لأبو عيسى (مجرد تصريح)، له كامل الحق فى الإدلاء به دون أن يكون فى ذلك مساساً بمكونات التحالف الأخرى، فالرجل فى خاتمة المطاف ربما راقت له فرصة التحلُّل من أيّ توصيف أيدلوجي طالما أنه لا ينتمي بصفة تنظيمية واضحة الى حزب بعينه حتى وإن لاحقته شبهات الانتماء الفكري للحزب الشيوعي السوداني. الدكتور ربيع عبد العاطي، القيادي بالمؤتمر الوطني أبدى استغراباً كبيراً لتصريحات أبو عيسى، مشيراً الى أن من يقول إنه ليس إسلامياً وليس علمانياً يثير الاستغراب! واعتبرها عبد العاطي دليلاً مؤثراً على عدم وحدة قوى المعارضة. غير أن تصريحات أبو عيسى هذه -ومن حيث لا يدري الرجل- أهاجت كوامناً فى نفوس العديد من منسوبي الشعبي والأمة القومي، إذ على الرغم من أن هذين الحزبين على خصومة سياسية معروفة مع الحزب الوطني الحاكم إلا أنهما فى نهاية المطاف يُصنَّفون ضمن منظومة الأحزاب ذات الأيدلوجية الإسلامية، بل إن الرؤية الإسلامية فى الواقع هي أساس وجود هذين الحزبين على الأقل، بصرف النظر عن الممارسة أو الهوى. ومن المؤكد أن حزب مثل حزب الأمة القومي قام أساساً على هذه الفرضية على صلة وثيقة بكيان الأنصار والذي لا يمكن لعاقل أن يزعم أنه لا إسلامي ولا علماني، خاصة وأن هنالك مقولة راسخة فى هذا الصدد تقول انه (ليس كل حزب أمة أنصاري، ولكن كل أنصاري حزب أمة)! من الواضح أن أبو عيسى أعاد تسخين إناء الزيت الحارق ليتطاير على الجميع بهذه التصريحات التي أشارت مصادر فى مقر الحزب بأم درمان الى أنها شكلت (محطة ختام) لوجود حزب الأمة داخل التحالف. أما الشعبي فهو الآخر لا يمكن أن يقرّ بما قاله أبو عيسى وإلاّ لإنقضت على الأقل شخصية زعيم الحزب الدكتور الترابي الذى تزعم بعض قيادات الحزب أنه مجدد من مجدديّ الدين الإسلامي ومفكر لا يشق له غبار. رجل بهذه الصفة – وافقناه عليها أم لا – لا يمكن أن يرضى تصنيف أبو عيسى بوضعه فى خانة مجهولة، لا هي الإسلام، ولا هي العلمانية. لكن على الرغم من كل ذلك فإننا نرى ونشهد الآن وجود التحالف على الأقل فى شكله الظاهريّ، ولعل هذا ما يثير حقاً ليس الاستغراب فحسب، وإنما الارتياب، إذ من الممكن لدواعي السياسة والظروف والمعطيات أن يتشكل تحالف سياسي عريض من عدد من المكونات السياسية تحت خط حد أدنى ويكون هذا الحد الأدنى مُعلَناً وموصوفاً بدقة وعناية لأغراض آنية مؤقتة، بحيث ينأى مكوني التحالف من الخوض فيما هو مختلف حوله فيما بينهم، طالما أنهم حيال ظرف سياسي حالي يفرض نفسه. ومن الممكن أيضاً لذات الدواعي السياسي أن يتم إبرام عقد تحالف مرحلي عابر هدفه عبور المرحلة الماثلة دون المساس بكليات ومنطلقات المتحالفين الفكرية والسياسية، هذا أيضاً جائز، ولكن ما نراه ونشهده الآن غير ذلك تماماً، فها هو أبو عيسى - بملء شدقيه - يعطي توصيفاً جامعاً مانعاً للتحالف بأنه لا علماني ولا إسلامي، ومن بين مكونات هذا التحالف حزبيّ الأمة والشعبي! وطالما أن قادة هذين الحزبين لم ينفيا ما قاله أبو عيسى، بل حتى لو نفياه فلن يغير من الأمر شيء طالما أن التحالف ما يزال قائماً، فإن ذلك فى الواقع يثير التساؤل حول موقف هذين الحزبين، خاصة وأن هنالك تصريحات سابقة موثقة للمسئول السياسي للشعبي، كمال عمر عبد السلام، قال فيها أنهم فى الشعبي يعتقدون أنهم أقرب الى الشيوعي من الوطني! وهو ما يجعل السؤال الجوهري ما يزال يلح بقوة؛ هل ترى هبطت طائرات الأمة والشعبي فى مطار التحالف المعارض هبوطاً اضطرارياً، أم أنها تحطمت تحطماً كلياً لأسباب فنية؟!